وجاء الردّ سريعاً صاعقاً على رؤوس المحتلين الخاوية !!
عبدالباري عطوان
كاتب ومحلل سياسي
أكثر ما يُقلق القِيادة الإسرائيليّة بشقّيها السياسيّ والعسكريّ، هو فتح جبهة جنوب لبنان في هذا التّوقيت، وانطِلاق الصّواريخ منها لضرب المُستوطنات في الجليل، وربّما حيفا وعكا وتل أبيب أيضًا، ولهذا جاء وقع القصف بصواريخ “الكاتيوشا وغراد” مساء الخميس صاعقًا، خاصّةً أن القبب الحديديّة فشلت فشلًا ذريعًا في اعتراضِ جميعها.
المُتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي اعترف بإطلاق 34 صاروخًا من جنوب لبنان، جرى اعتراض 25 منها، ووصلت خمسة على الأقل إلى أهدافها في الشّمال الفِلسطيني المُحتل، وسطَ تكتّمٍ شديد على حجم الخسائر، الماديّة أو البشريّة، وهذا في حدّ ذاته اختِراقٌ خطيرٌ جدًّا. هذه الصّواريخ التي اتّهمت دولة الاحتِلال وقوف فصائل فِلسطينيّة خلف إطلاقها، تستمدّ أهميّتها من كونها جاءت تدشينًا لتفعيل جبهة الجنوب اللبناني للمرّة الأولى مُنذ حرب 2006، وتضامنًا مع المُرابطين في المسجد الأقصى، وردًّا على اقتِحامات الجُنود الإسرائيليين له، والاعتداء الهمجي على المُعتَكفين في باحاته، وتجسيدًا لوحدة السّاحات في الأراضي المُحتلّة وخارجها. خُطورة هذه الصّواريخ لا تُقاس بعدد القتلى أو الجرحى التي أوقعتها في صُفوف الجيش الصهيوني أو مُستوطنيه، وإنّما في أثَرها النفسي، وانعِكاساتها على المُؤسّستين السياسيّة والعسكريّة الإسرائيليّة، وخاصّةً فشلها في التصدّي لها جميعًا، وتوفير الحِماية بالتالي للمُستوطنين، ما يعني انهيار الأمن وانتِهاء عُنصر الاستِقرار، وهُروب رؤوس الأموال وشركات الاستِثمار، وتَعاظُم الهجرة المُعاكسة. تزامن هذه الرّشقات الصاروخيّة مع الاعتِداءات الإسرائيليّة الأخيرة على سورية، وتوعّد الحرس الثوري الإيراني بالثّأر لاثنين من مُستشاريه استشهدوا جرّائها، يؤكّد أن قرار التصدّي للغطرسة الإسرائيليّة في كُل مكان قد صدر، وأن مرحلة الصّمت الاستراتيجي، وكظم الغيظ، من قبل محور المُقاومة وأذرعه الضّاربة، قد انتهت، ومن غير المُستَبعد أن تشهد الأيّام والأسابيع المُقبلة مُفاجآت صادمة لدولة الاحتِلال. اللّافت أن نِتنياهو لم يُهدّد كعادته بتدمير لبنان وإزالته من الوجود، وأكّدت قِياداته العسكريّة في تصريحاتٍ مُسرّبةٍ لبعض الصّحف والمواقع أنه لا يُريد شن حرب على لبنان، ويُفضّل التّهدئة، والتّفسير الوحيد يعود لإدراكه بأنّ هذه الحرب في حالِ اشتعالِ فتيلها ستكون بداية النّهاية لدولة الاحتِلال، فهُناك أكثر من 150 ألف صاروخ وخمسة آلاف مُسيّرة انتحاريّة بانتِظار ساعة الصّفر، ومن ثمّ الضّوء الأخضر بالتالي لقصف حيفا وما بعد حيفا. إطلاق الصّواريخ من جنوب لبنان لقصف المُستوطنات في الشّمال الفِلسطيني المُحتل، وأيًّا كانت الجهات التي تقف خلفها، لا يُمكن أن يتم دون التّنسيق مع المُقاومة اللبنانيّة، وقِيادة حزب الله على وجه التّحديد، والأمر المُؤكّد أن المؤسّسة العسكريّة الإسرائيليّة تُدرك هذه الحقيقة جيّدًا، ودائرة هذا التّنسيق مُرشّحةٌ للاتّساع والتّعزيز فيما هو قادمٌ من أيّام. نِتنياهو كان يُريد حربًا للخُروج من أزَماته الداخليّة المُتفاقمة، وها هي الحرب جاءت إرهاصاتها الأوّليّة من جنوب لبنان على طبقٍ من صواريخِ الكاتيوشا، فهل يُرسل دبّاباته لاجتياحِ جنوب لبنان؟ بل نكاد نجزم بأنّه سيُرسل مبعوثه إلى واشنطن وباريس ولندن بحثًا عن اتّفاقٍ للتّهدئة عارضًا تنازلاتٍ ومُراجعات كبيرة، أبرزها وقف اجتِياحات المسجد الأقصى.