منهجية الاسلام في معاملة السجناء والاسرى
نسرين نجم
حث الاسلام على معاملة الاسير معاملة كريمة لا تهان فيه كرامته ولا تنتهك حرمته بغض النظر عن دينه، عن جنسه، وقد عمل الرسول الاكرم(ص) على تنوير الاسرى بالدين الاسلامي وهكذا فعل مع أسرى بدر وبني قنيقاع وبني قريظة وغيرهم قائلا (ص): "أوصيكم بالاسرى خيرا" ...وكذلك فعل أمير المؤمنين(ع) الذي دعا اولاده(ع) وأصحابه الى صيانة حقوق الاسير وحماية حياته وسلامته الشخصية من أي خطر أو عمل انتقامي، وقد تجلى ذلك عندما تم اسر اللعين عبد الرحمن بن ملجم بعد ضربه للرأس الشريف حيث قال سلام الله عليه: "إحبسوا هذا الأسير واطعموه، واحسنوا أسره، فإن عشت فأنا أولى بما صنع بي، إن شئت استعدت، وإن شئت عفوت، وان شئت صالحت، وإن مت فذلك اليكم، فإن بدا لكم ان تقتلوه فلا تمثلوا به"....
اضف الى ذلك اعتمد سلام الله عليه منهجية اخلاقية انسانية راقية بحيث كان يعرض على الاسير البيعة والدخول في الطاعة، فإن بايع خلى سبيله وأصبح حرا، وإن رفض أخذ منه سلاحه ويحلفه أن لا يعود للقتال، وبهذا الاسلوب تعامل مع الاسير على الصعيد النفسي من خلال إسهامه بصناعة انسان جديد...
هذا النهج والمنهجية اتبعتها الدول والجماعات التي تدين بالولاء والوفاء والانتماء لينابيع الاسلام المحمدي الاصيل، فنجد كيف ان سماحة السيد القائد الامام علي الخامنئي(دام ظله الشريف) يتعامل مع السجناء، وكيف انه أصدر عفوا منذ فترة عن عشرات آلاف، منهم المعتقلين المرتبطين بالاحتجاجات الأخيرة من صغار السن الذين تم تضليلهم بسبب نفوذ الدعاية الأجنبية والذين طلبوا العفو من سماحة السيد القائد، وحتى ان سماحته خصص 15 مليار ريال لمساعدة السجناء المدانين وغير القادرين على دفع الدية التي بذمتهم لسبب او لآخر، فأتت هذه الخطوة الأنسانية ضمن المهرجان الـ36 للجنة الدية بالبلاد، والذي يقام خلال شهر رمضان المبارك... وايضا في مناسبات اخرى كان هناك لفتات كريمة ومبادرات خيرة تنطلق من المبادىء الاسلامية الاصيلة توجها الامام السيد علي الخامنئي (دام ظله الشريف) بآثار طيبة سيما في الجانب النفسي والاجتماعي عند المتلقي بحيث تدفعه لتغيير نظرته عن تلك المبادىء والافكار التي كان يتمسك بها او لربما مغرر بها، ونجد سماحته على سبيل المثال يجول في العديد من المحافظات الايرانية متوقفا عند أحوال السحناء، بحيث حظي من هم مدانون بجرائم غير عمدية بإهتمامه ورعايته، فعلى سبيل المثال تبرع بمساعدة قدرها 50 مليار ريال في زيارته الى كرمانشاه لإطلاق سراح 240 سجيناً، وتبرع بـ 10 مليار ريال خلال زيارته الى بجنورد لاطلاق سراح 125سجيناً مدانا بجرائم غير عمدية.. عدا عن تأمين كافة احتياجات السجناء الصحية والغذائية والأهم التأهيل الديني والثقافي.
لنصل الى اليمن مع السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي الذي يتحدث دائما ويشدد على ضرورة "العناية بالسجون وحسن رعاية السجناء، والحذر من الظلم والتعامل السيء الذي لا ينسجم مع القيم الايمانية"، وقد أطلق سراح عدد من السجناء المغرر بهم المخدوعين من قوى العدوان وذلك بمناسبات متنوعة، وحتى تكفله بدفع ديون لسجناء ليس لديهم القدرة على تسديدها فسجنوا بسببها، وغيرها من الخطوات الحميدة في هذا الملف.
لنصل الى حزب الله في لبنان وكيف تعامل مع عملاء لحد الخونة الذين صالوا وجالوا وتفننوا بتعذيب أبناء الجنوب والمقاومين بمعتقلات العدو الصهيوني، الا ان رجال حزب الله لم يعاملوهم بالمثل، فعندما وقعوا في الاسر لم توجه لهم اي صفعة او كلمة، وحتى مع اسرى العدو الصهيوني وجثثهم، فمنذ انطلاقة المقاومة الإسلامية الى يومنا هذا، لم تتوان عن تقديم النموذج الانساني الاسلامي بالتعامل مع الاسرى .
بالمقابل نجد محور الشر خاصة الكيان الصهيوني كيف يتعامل مع الاسرى الفلسطينيين بطريقة وحشية دموية ارهابية ضاربا بعرض الحائط المواثيق والقوانين الدولية التي تتحدث عن حقوق الاسير واحترام حريته الشخصية، فمثلا من بين الأجراءات الأنتقامية التي اتخذها الوزير الأرهابي ايتمار بن غفير تجاه المعتقلين: منع المياه الساخنة عن الاسرى، والسماح لكل اسير بالاستحمام لمدة 4 دقائق، مما يؤدي الى نشر الامراض بين الأسرى، ومنع العلاج والتعليم بعد ان خاض الاسرى على مدى اعوام طويلة معارك صعبة للحصول عليهما، فأتى هذا الوزير المتطرف ليمنع كل هذه الامور... عدا عن اللعب على العامل النفسي وزرع الاحباط والتوتر والقلق عند القلق، اضف الى ذلك القهر والاذلال والابتزاز حتى بتقديم العلاج للاسرى، الامر الذي يشكل خرقا فاضحا لمواد اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة (المواد 29,30,31, 91, 92) والتي أوجبت حق العلاج والرعاية الطبية، وتوفير الأدوية المناسبة للاسرى المرضى، واجراء الفحوصات الطبية الدورية لهم..
الى جانب ذلك فهم يعملون على تمديد فترات الأعتقال كما يريدون بغض النظر عن قوانينهم اللاقانونية، وحتى لا تختلف طرقهم القمعية بالتعامل مع الاسرى عن الاسيرات، نجد استخدام العنف والاعتداء عليهن بما فيهن الحوامل والمرضى، والمماطلة في تقديم العلاج، وتعاني المعتقلات من عدم وجود اخصائي او اخصائية امراض نسائية، والامر المؤلم والقاسي هو اجبار الاسيرات الحوامل على الولادة وهن مقيدات الأيدي ....
رغم كل هذه الاعتداءات السافرة بحق المعتقلين وخرق وانتهاك القوانين الدولية، نجد المجتمع الدولي صامت بغض النظر عن هذه الانتهاكات، وهذا ان دل على شيء يدل على ان الديموقراطية والحرية وحقوق الانسان وما الى ذلك من شعارات ترفعها هذه المنظمات ما هي الا وسائل تستخدمها كيفما تريد واين ما تريد في العالم بما يخدم مصالح الدول الاستعمارية التي تقود هذه المنظمات خاصة الادارة الاميركية الخبيثة لتكون ذرائع لغزو بلدان وضرب الحصار وفرض العقوبات ..
هذا التعامل المهين مع الاسرى نجده ايضا في السجون البحرينية من أبناء الوطن الواحد، هؤلاء الاسرى الذين اعتقلوا وعذبوا واهينوا بسبب مطالبتهم بحقوقهم كمواطنين، فنجدهم يتعرضون لاوضاع سيئة تغيب عنها الإنسانية بشكل كامل...
وتذكر منظمة العفو الدولية التي تتحدث دون ان تفعل اي خطوة بأنه: "في تاريخ 3 كانون الثاني/ يناير اعتدى حراس في سجن جو على 3 سجناء في المبنى رقم 3، بحيث جروهم بالقوة من زنزانتهم، ورموهم ارضا، ولكموهم وركلوهم، وداسوا رقبتي اثنين منهم"، اضف الى ذلك منع المعتقلين من ممارسة معتقداتهم الدينية، وتعرضهم لأبشع صنوف التعذيب الجسدي والنفسي، والأهمال الطبي الممنهج حيث خرج العديد من السجناء جثثا هامدة ك حسين بركات، وخرج آخرون بعاهات دائمة وامراض خطيرة... اضف الى ذلك منع السجناء من الجلوس تحت اشعة الشمس، ومن الغذاء، ومن التواصل الحر مع ذويهم، والعزل الانفرادي، وصولا للتحرش بالاسيرات، واعتقال الاطفال عدا عن الاعدامات اللاقانونية، واقع السجون في البحرين كما يصفها البحرينيون "غرف موت".
اذن بمقارنة بملف الاسرى بين المحورين محور الشر ومن يدعمه، ومحور المقاومة ومن يقف الى جانبها، نجد الفرق الشاسع بين الجانبين بكيفية التعامل مع السجناء، من جهة نجد أبشع وأقذر وأقسى انواع التعذيب والاضطهاد والتنكيل بحق الاسرى، بينما في الجهة الاخرى نجد الانسانية والاخلاقية والسعي لصناعة انسان جديد من خلال زرع الكثير من المفاهيم الاخلاقية والعقائدية والايمانية لديه ..