الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف ومائتان وسبعة - ٠٦ أبريل ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف ومائتان وسبعة - ٠٦ أبريل ٢٠٢٣ - الصفحة ۸

إنضمام فنلندا للناتو تصعيدٌ لتوتر دولي خطير

 

عبدالباري عطوان
كاتب ومحلل سياسي

انضمام فنلندا اليوم إلى حِلف الناتو لتُصبح العُضو 31 وسط احتِفالاتٍ ضخمةٍ بعد حيادٍ استمرّ لثلاثةِ عُقود يُشكّل قمّة الاستِفزاز والتحدّي لروسيا، وخطوةً تصعيديّةً تمّ الإعداد لها جيّدًا من قِبَل أمريكا في الحرب الأوكرانيّة ربّما يؤدّي، بطريقةٍ أو بأُخرى، إلى اتّساع نطاقِ هذه الحرب، واقترابها من دُخول خِيار اللّجوء للأسلحة النوويّة، تكتيكيّةً كانت أو استراتيجيّة.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكّد أكثر من مرّةٍ أن الولايات المتحدة تقود مُؤامرةً لتدمير بلاده وتفكيكها، وتقوية حلف الناتو وتوسيعه وتعزيزه، هو أحد أبرز أوجهها، ولهذا من المُستَبعد أن يقف مكتوف الأيدي أمام هذا الاستِفزاز المدروس في إطارِ برنامجِ المراحل الأمريكي. فنلندا التي تمتدّ حُدودها مع روسيا إلى أكثر من 1300 كيلومتر، عاشت حالةً من الاستِقرار لأكثر من ثلاثين عامًا، وكانت من أكثر الدّول استفادةً من خِلال حِيادها أثناء الحرب الباردة من حيث تطوير اقتِصادها وتنميته، ولم تتعرّض لأيّ عُدوانٍ روسيّ احترامًا لهذا الحِياد، ولكنّها تخلّت عنه فيما يبدو ورضخت للضّغوط الأمريكيّة بالانضِمام للحِلف، وتحويل أراضيها إلى منصّة انطِلاقٍ لأيّ هُجومٍ عسكري مُستقبلي على روسيا.
علينا أن نتذكّر دائمًا بأنّ من أبرز أسباب الحرب الأوكرانيّة الحاليّة، خُروج أوكرانيا عن حِيادها، وإعلان رئيسها الدّمية فولوديمير زيلينسكي رغبته في الانضمام إلى حلف الناتو والاتّحاد الأوروبي، علاوةً على خرقه لاتّفاق مينسك عام 2013 الذي أوقف الحرب ضدّ الأقليّة الروسيّة في مِنطقة دونباس شرق وجنوب أوكرانيا، واعترفت المُستشارة الألمانيّة السّابقة أنجيلا ميركل أن هذا الاتّفاق جرى توقيعه لكسْب الوقت، وتعزيز قُدرات أوكرانيا العسكريّة استِعدادًا للحرب.
لذا، فإن انضمام فنلندا لحِلف الناتو مُقدّمة لانضِمام أوكرانيا، وتسريعٌ لاتّساع نِطاق الحرب، وأكّد ينس ستولتنبرغ أمين عام حِلف الناتو في خِطابه في حفل الانضِمام بأن أبواب الحِلف باتت مفتوحةً على مِصراعيها لانضِمامِ أوكرانيا والسويد.
عندما يُعلن ريشي سوناك رئيس وزراء بريطانيا أن انضِمام فنلندا يُعتبر حدثًا تاريخيًّا، ويُعبّر جو بايدن الرئيس الأمريكي عن فخره بهذا الانضِمام، فإن علينا أن لا نتوقّع ربيعًا طيباً، بل صيفًا مُلتهبًا، في الحرب الأوكرانيّة، بعد توارد أنباء عن عزمِ أمريكا تزويد كييف بطائراتٍ من طراز "إف 16" المُقاتلة، وبدء تدريب طيّارين أوكران في قواعد جويّة داخِل الولايات المتحدة.
التورّط الأمريكي المُباشر في الحرب الأوكرانيّة يتّسع نطاقه وبشَكلٍ مُتسارع يومًا بعد يوم، فبعد إقدامها، أيّ أمريكا، على نسف خطّ أنابيب "نورد ستريم" للغاز الروسي إلى ألمانيا، ها هي تُوسّع حِلف الناتو لإحكام الحِصار على روسيا، وتُقدّم أسلحةً حديثةً مُتطوّرة للجيش الأوكراني أبرزها 8500 صاروخ من نوع "جافلين" المُضادّ للدبّابات، و1650 صاروخًا من طِراز "ستينجر" المُضادّ للطّائرات، و1800 مُسيّرة من طِراز "فونيكس"، و2500 صاروخ من أنواعٍ مُتَعدّدةٍ، علاوةً على صواريخ باتريوت التي بات تسليمها وشيكًا.
فعاليّة هذه الأسلحة والمعدّات العسكريّة الحديثة ستُعزّز قُدرات الجيش الأوكراني الدفاعيّة والهُجوميّة معًا، ولكن فوضى السّلاح هذه قد ترتدّ سلبًا على الولايات المتحدة وحُلفائها، من حيث احتِمال وصولها إلى روسيا والصين، وفكّ أسرارها التكنولوجيّة والعسكريّة بالتّالي حسب آراء العديد من الخُبراء الغربيين، فأوكرانيا تُعتبر من أكثر البُلدان فسادًا في العالم، وتحتلّ المرتبة 122 على قائمة الشفافيّة الدوليّة، ومُؤشّر الفساد العالمي، حيث فقدت أسلحة ومعدّات بقيمة 32 مِليار دولار في الفترة التي سبقت انهِيار الاتّحاد السوفيتي (1992 ـ 1998).
الرئيس بوتين الذي هدّد قبل يومين بأنّ موسكو مُستعدّةٌ لاستِخدام كُل الوسائل المُتاحة لصدّ الهجمات على أيّ أرضٍ روسيّة، يُتابع هذه الاستِفزازات الأمريكيّة عن كثب، وإقدامه على نشر أسلحة نوويّة تكتيكيّة في بيلاروسيا حليفته الأوثق، هو الرّد الأوّل، وقال إن الدّافع لنشْر هذه الأسلحة هو قرار بريطانيا تزويد أوكرانيا بقذائفٍ خارقةٍ للدّروع تحتوي على مادّة اليورانيوم المُنضب.
الأسلحة النوويّة التكتيكيّة قادرة على تدمير أسلحة العدوّ وقوّاته في ميادين المعارك، وتختلف عن نظيراتها النوويّة الاستراتيجيّة التي يُمكن تركيبها على صواريخٍ عابرةً للقارّات، قادرة على تدميرِ مُدُنٍ بأكملها، ومن المُفارقة أن هذه الأسلحة التكتيكيّة لم يتم الاتّفاق على منعها في المُحادثات الروسيّة الأمريكيّة، وتملك روسيا حواليّ أكثر من ألفيّ رأسٍ منها.
هُناك تفسيران لهذا التصعيد العسكري من الجانبين الروسي والأمريكي في الحرب الأوكرانيّة، الأوّل يقول بأنّه ربّما يأتي للتّسريع بالوِساطات لوقف هذه الحرب والدّخول من قِبَل الأطراف المُتورّطة فيها في مُفاوضات لوقف إطلاق النار بعد تعاظُم الخسائر، والثاني يرى أن ما يحدث في ميادين القِتال هو العكس، لأنّ روسيا لن تقبل التّنازل عن مكاسبها الاستراتيجيّة وأبرزها ضمّ أربعة أقاليم جنوب وغرب أوكرانيا، علاوةً على شِبه جزيرة القرم، والشّيء نفسه يُقال عن أمريكا التي تُريد تدمير روسيا وتفكيكها والانتِقال إلى مُواجهة العدوّ الأكبر، أيّ الصين التي تُشَكّل تهديدًا وجوديًّا لها، اقتصاديًّا وسياسيًّا وعسكريًّا.
حرب أوكرانيا ليست حربًا حُدوديّة، وإنّما دينيّة قبل أن تكون اقتصاديّة وعسكريّة، فالرئيس بوتين يستمدّ أسباب قوّته من عقيدتين، الأولى قوميّة روسيّة، والثانية مذهبيّة أرثودوكسيّة، وهاتان العقيدتان مدعومتان بأكثر من 6500 رأس نووي، وما يزيد عن 255 مِليون أرثودوكسي من بينهم 125 مِليون في روسيا وحدها، علاوةً على دعم منظومة بريكس (روسيا، الصين، الهند، البرازيل، جنوب إفريقيا) التي يُشكّل عدد سكّانها ثُلُث سكّان العالم، وما يَقرُب من نِصف حجم اقتصاده. وأمريكا التي خسرت حرب العِراق، وبعدها أفغانستان، وقريبًا سورية، من الصّعب أن تنتصر في هذه الحرب الأوكرانيّة، والفارق الأساسي والخطير أنها قد تُورّط العالم في حربٍ نوويّة دِفاعًا عن عرشها الأُممي، وهذه قمّة التهوّر والأنانيّة واللّامسؤوليّة.

 

 

البحث
الأرشيف التاريخي