على خلفية سماح المحكمة العليا بإجراء انتخابات محلية في إقليمين بالبلاد..
معركة سياسية بين القضاء والحكومة في باكستان
الوفاق- لا يخفى على كل متابع للشؤون السياسية أن التطورات المتلاحقة في باكستان، تنذر بأنها تعيش أزمة اقتصادية خانقة ووضعاً أمنياً ضاغطاً، بصدامٍ إضافي في البلاد، حيث يشتد أيضاً الصراع السياسي، وسط اتهامات للمؤسسة العسكرية بالتدخل فيه من وراء الكواليس، والسعي للحفاظ على سطوتها على الساحة السياسية بشكل غير مباشر. والجديد، اليوم، هو الصراع الدائر بين المؤسسة القضائية وحكومة شهباز شريف المدعومة من الجيش، ما قد يزيد الوضع الداخلي توتراً خلال هذه الفترة الحسّاسة والعصيبة.
وتمثّل تصاعد الخلاف بين القضاء والحكومة على خلفية سماح المحكمة العليا في باكستان أمس الأول الثلاثاء، بإجراء انتخابات محلية جزئية في إقليمين بالبلاد، في خطوة تعد انتصارا لرئيس الوزراء السابق عمران خان.
صراع سياسي
وقضت المحكمة بأن تُجرى الانتخابات بحلول 15 مايو/أيار المقبل، في إقليمي البنجاب وخيبر بختون خوا، بالرغم من معارضة الحكومة للتصويت في وقت تواجه فيه البلاد أزمة اقتصادية وتحديا سياسيا من المعارضة.
ويضغط رئيس الوزراء السابق من أجل إجراء انتخابات برلمانية، في إطار حملة لإجبار الحكومة على إجراء انتخابات عامة مبكرة.
ورفض رئيس الوزراء شهباز شريف دعوة عمران خان الذي أُطيح به بتدبير من واشنطن بحسب ما أكده رئيس الوزراء السابق لإجراء انتخابات عامة مبكرة، وأيدت حكومته تأجيل لجنة الانتخابات للتصويت في الإقليمين حتى الثامن من أكتوبر/تشرين الأول القادم. لكن المحكمة العليا قضت بأن التأجيل غير قانوني، وبأن التصويت في هذين الإقليمين يجب أن يجرى بين 30 أبريل/نيسان و15 مايو/أيار المقبل. وكانت قد أُجريت آخر انتخابات عامة في باكستان في يوليو/تموز 2018، وتولت حينها حكومة عمران خان السلطة.
وأطيح بعمران خان في أبريل/نيسان 2022 بموجب مذكرة لحجب الثقة، ويواجه منذ ذلك الحين إجراءات قانونية، ولكنه لا يزال يحظى بشعبية كبيرة ويأمل العودة إلى السلطة. كما اتهم مؤخرا حكومة بلاده بوضع مخطط لاغتياله أو نقله للسجن.
الحكومة الباكستانية تتحدى
واعتبرت اللجنة القضائية الخاصة، التي ترأسها رئيس المحكمة العليا القاضي عمر عطا بنديال، أنه ينبغي على الحكومة، وفق الدستور، إجراء هذه الانتخابات خلال 90 يوماً بعد تاريخ حلّ البرلمان في كلا الإقليمين. لكن حكومة شهباز شريف وصفت قرار المحكمة بغير الصائب، واعتبرت أن بنديال انحاز إلى رأي رئيس الوزراء الباكستاني السابق وزعيم حزب "حركة الإنصاف" عمران خان.
ومنذ أن أصدرت المحكمة العليا قرارها هذا، انهالت عليها الانتقادات الشديدة من قبل الوزراء في الحكومة والقياديين في التحالف الحاكم، وعلى رأسهم شهباز شريف، ووزير الدفاع خواجه آصف، ووزير الداخلية رانا ثناء الله. من جهتها، أكدت لجنة الانتخابات الوطنية، قبل أسبوعين، أن الانتخابات في الإقليمين لا يمكن إجراؤها في الوقت الحالي، وذلك بخلاف أمر المحكمة العليا.
وكان وزير الداخلية الباكستاني رانا ثناء الله قد أعلن، في 25 مارس الماضي، أن مسألة إجراء الانتخابات في الإقليمين تعود إلى لجنة الانتخابات الوطنية، وهي التي تقرر فيها، وأن المحكمة العليا "تبدو أنها انحازت إلى شخص واحد، وبالتالي، فإن قراراتها محل نزاع، ما يعني أنه ليس ضرورياً تنفيذ القرار، خصوصاً أن هناك بين قضاة المحكمة ذاتها من يعارض تلك الأوامر والقرارات".
تعديل دستوري لتشتيت القضاء
ولم تكتف حكومة شهباز شريف برفض أمر المحكمة العليا، بل بدأت أيضاً مسعى لتقويض صلاحيات رئيسها. وفي هذا الإطار، قدمت الحكومة الباكستانية، في 29 مارس الماضي، تعديلاً دستورياً إلى البرلمان، ينص على تقليص صلاحيات رئيس المحكمة العليا، ومنه أنه لا يمكنه اتخاذ قرار بالنظر في أي قضية من دون التشاور مع قضاة آخرين من أعضاء المحكمة.
وكان رئيس المحكمة العليا يتمتع قبل التعديل بصلاحية اتخاذ القرار بالنظر في أي قضية أو مسألة يراها مهمة للبلاد. وصادق البرلمان على التعديل في اليوم ذاته من طرحه، ثم مجلس الشيوخ في اليوم التالي، وأرسل إلى الرئيس الباكستاني عارف علوي ليوقع عليه ويصبح جزءاً من الدستور.
ومن أبرز محتويات التعديل الدستوري لعام 2023، أخذ صلاحية قرار النظر في أي قضية مهمة للبلاد من رئيس المحكمة العليا، إذ يضع التعديل هذه الصلاحية في يد لجنة مؤلفة من 3 قضاة من المحكمة العليا.
والدافع الرئيسي وراء خطوة الحكومة هو المواجهة الدائرة حالياً بينها وبين رئيس المحكمة العليا القاضي عمر عطاء بنديال، مشيراً إلى أن الأخير هو الرجل الوحيد الذي يقف في وجه سياسات الحكومة، ما دفعها للتحرك من أجل تقويض صلاحياته.
ويرى عدد كبير من الخبراء في باكستان أن خطوة الحكومة "هي من دون شك تعدّ تدخلاً في شؤون المؤسسة القضائية ومحاولة لتشتيت آراء قضاة المحكمة العليا"، مؤكدين أن الحكومة "لن تستفيد كثيراً" من الخطوة، لأن هذه الصلاحية لا تزال في أيدي القضاة وليست في يدها، إلا أن النقطة الأهم هو أن الحكومة لم تكن تملك من سبيل للضغط على المؤسسة القضائية سوى ذلك.
وكانت خطوة المحكمة العليا بالنظر مرة جديدة في قضية الانتخابات المحلية في الإقليمين قد أثارت حفيظة الحكومة والتحالف الحاكم. وقال رئيس الوزراء السابق نواز شريف، وهو زعيم حزب الرابطة الحاكم، في بيان صدر عنه في 31 مارس الماضي، إن أي قرار صادر عن هذه اللجنة "مرفوض منذ الآن"، داعياً إلى أن تنظر لجنة مكونة من جميع قضاة المحكمة العليا في القضية.
أما رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان، المعارض للحكومة والذي يتمتع بقاعدة شعبية واسعة، لا سيما بسبب فشل حكومة شريف في التصدي للغلاء والحالة المعيشية الصعبة التي تمرّ بها البلاد، فقد شدّد في بيان على أنه لا تهمه اللجان القضائية وأعضاؤها، بل همّه الوحيد هو تطبيق الدستور، أي إجراء الانتخابات في الإقليمين بعد حلّ برلمانيهما، خلال 90 يوماً.