رحلة الطلاب من طهران إلى الخليج الفارسي:
«مسارات التقدم».. زرع الأمل وتعزيز الهوية
محمد حسين اميدى
حقق نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، خلال مسيرته التي استمرت 44 عامًا بعد الثورة والتي قطع فيها يد العدو عن البلاد إنجازات لا حصر لها، فقد وعى النظام أن عدم الإلمام العلمي والتكنولوجي في الحرب التقنية والمعرفية القائمة والمستمرة من قبل أعداء الجمهورية الإسلامية ضد الأمة والحكومة الإسلامية سوف تتسبب في أضرار لا يمكن إصلاحها.
لذلك ورغم التحديات الجمّة وأنواع الحظر التي واجهتها الجمهورية الإسلامية طوال السنوات الماضية، حققت ايران تقدماً ملحوظاً في مجال العلم والتكنولوجيا، واستطاع الوسط العلمي في إيران عبر تطوره في المجالات الطبية والهندسية والأبحاث في ايجاد موطئ قدم له على الساحة العالمية.
وكان من الضروري إطلاع جيل الشباب في البلاد على هذه الإنجازات العظيمة، لذلك تعد حركة "مسارات التقدم" التي بدأت قبل بضعة أشهر، واحدة من أوضح الأمثلة على الأنشطة الواعدة والتي تهدف إلى تعريف المجتمع وخاصةً جيل الشباب وصناع المستقبل في إيران الإسلامية بالإنجازات القيمة في المجالات الصناعية والإنتاجية والتي تُبين تقدم النظام الإسلامي المقدس وكيفية تحقيق السلطة الوطنية."
مراكز الانجاز والابداع في الجمهورية الإسلامية وجهة رحلة " مسارات التقدم"
"مسارات التقدم" هي عبارة عن رحلات قصيرة ، تمتد لمدة يوم أو يومين، وتكون وجهة الطلاب إلى مراكز علمية بارزة وبعض الأماكن التي تحكي قصة تحقيق التقدم والتطور من قبل شباب إيران الإسلامية في جميع أنحاء البلاد. وهذه الوجهات تشمل الصناعات الكبيرة ، ومراكز الدفاع في البلاد ، والمراكز العلمية ، ومجمعات العلوم والتكنولوجيا.
وكأول صحيفة، استطاع مراسل جريدة الوفاق المشاركة في واحدة من هذه الرحلات، والتي انطلقت من العاصمة طهران واستمرت لأكثر من 1500 كيلومتر في مياه الخليج الفارسي جنوب البلاد، من أجل تقديم تقرير مباشر عن هذه الرحلة مع طلاب إيرانيين تتراوح أعمارهم بين 16 و 17 عامًا.
لذلك وبعد التنسيق مع السلطات، في صباح أحد الأيام الأخيرة من العام الإيراني الفائت وقبل بداية شهر رمضان المبارك، رافق مراسل جريدة الوفاق 165 طالبًا من الحاصلين على أعلى المراتب الأكاديمية من سبع محافظات في البلاد (منها خراسان وأصفهان وأذربيجان ويزد وجهارمحال وبختياري). زار الطلاب في البداية المعرض الوطني والدائم للقوة الجوية والفضاء التابع للحرس الثوري الإسلامي غرب العاصمة الإيرانية طهران في إطار رحلات «راهیان پیشرفت نورانی» أي مسارات التقدم المضيئة.
خلال هذه الزيارة، تعرف الطلاب على القدرات الصاروخية للبلاد، واطلعوا على آخر إنجازات الصناعة الدفاعية في مجال تصنيع الطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى المسيّرات الأمريكية الأكثر تقدمًا التي تم إسقاطها أو الاستيلاء عليها بيد القوات الإيرانية.
أخبر بعض قادة الحرس الثوري والجيش الطلاب عن الأيام الصعبة للحرب التي دامت ثماني سنوات والتي فرضها نظام صدام البائد ضد الجمهورية الإسلامية بدعم القوی الغربية، حيث وقفت إيران بعد الثورة خاوية الوفاض ضد أکثر من ثلاثين دولة في العالم و أسلحتهم المتطورة؛ بالرغم من وجود الأسلحة التي باعها الأمريكيون لنظام الشاه، لكن المستشارون الأمریکیون لم يعلموا طرق إصلاحها للقوات الإيرانية، لذلك سعى الشباب الإيراني بأنفسهم، وبجهودهم الخاصة والتشبث بسم الله، إلى اكتساب أعلی درجات العلم الحديثة واستطاعوا صناعة جميع أنواع الصواريخ المتطورة والدقيقة.
بعد الانتهاء من زيارة المعرض، توجه الطلاب إلى مطار مهرآباد في العاصمة طهران لمتابعة المرحلة الثانية من الرحلة. كان الطلاب الشباب متحمسين لتجربة السفر بطائرة نقل عسكرية ولا يمكنهم الانتظار للصعود إلى الطائرة. في ظهيرة ذلك اليوم الممطر في العاصمة، غادرت الطائرة إلى مقاطعة هرمزجان. وبعد ساعة من التحليق في سماء إيران، سمح طاقم الرحلة للطلاب بالذهاب إلى قمرة القيادة للاطلاع على شكل الطائرة وكيفية عملها.
والجدير ذكره أن هذه الرحلة شكلت التجربة الأولى لمعظم الطلاب بالسفر، وخاصةً السفر في طائرة عسكرية ، وهاهم الآن يشاهدون سماء بلادهم من قمرة القيادة، وهم ينظرون يمنةً ويسرة ًمتفحصين أجزاء الطائرة ويطرحون الأسئلة عنها لإشباع فضولهم العلمي.
مهيار كان أحد هؤلاء الطلبة وهو من محافظة يزد ، شرع بطرح أسئلة على مساعد الطيار حول سرعة الطائرة وارتفاعها بلهجته المحلية، هو من الطلبة المتفوقين و يدرس الرياضيات والفيزياء وكان يتحدث مع أصدقائه عما تعلموه.
بعض الطلاب الآخرين الذين وصلوا إلى طهران قبل يوم وبعد رحلة برية طويلة ولم يناموا جيدًا الليلة الماضية بسبب الإثارة، أغلقوا أعينهم أثناء الرحلة وناموا قليلاً حتى هبوط الطائرة في مطار "بندر عباس".
انجازات وتقدم رغم الحرب والحصار
بعد الوصول إلى "بندر عباس" ظهراً، هرع الطلاب إلى شاطئ الخليج الفارسي متأملين غلبة الشمس الذهبية على زرقة مياه البحر، وهم على هذا الحال من الاستمتاع بمشاهدة البحر جاء أحد كبار المسؤولين في الحرس الثوري الإيراني وحدثهم عن مرحلة ماقبل الثورة وزمن بهلوي، عندما قال رئیس الوزراء إن الإيرانيين لا يمكنهم حتى يصنعون إبريق مصنوع من الطين، وبأن إيران قد نهبها الأجانب، بمن فيهم البريطانيون ثم الأمريكيون.
وأكمل القائد كلامه للطلاب عما جرى في الحرب المفروضة على إيران، متحدثاً عن احتراق مصافي النفط الإيرانية الواحدة تلو الأخرى بقنابل طائرات نظام صدام البائد، وكيفية وقوف أهالي المدن في طوابير طويلة للحصول على النفط والبنزين. وأشار إلى المرحلة الصعبة التي عاشتها الجمهورية الإسلامية بسبب "العقوبات المشللة" وفقاً للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ثم دونالد ترامب، والتي كان من المفترض فيها ألا تتمكن إيران من بيع برميل نفط واحد. ولكن استطاعت ايران بجهود أبنائها تخطي هذه الأيام الصعبة وتسلق قمم التقدم ، ما جعلها تمتلك اليوم قوةً تسمح لها أن تلعب دورًا في الساحات الإقليمية والعالمية.
في ختام كلمته طلب القائد من الطلاب الانتباه جيداً لكل ما يروه في الأربعة وعشرين ساعة القادمة مدة زيارتهم، والتي سيتعرفون فيها على ركائز قوة الجمهورية الإسلامية وعلائم ريادتها ، مشدداً عليهم أن يكونوا رواة جيدين لمشاهدات هذه الرحلة وإنجازات النظام لأصدقائهم وعائلاتهم.
مصفاة "نجمة الخليج الفارسي " الايرانية الصنع والأكبر عالمياً
انطلق الطلاب على الطريق في خمس حافلات، وكان الظلام قد حل عندما وصلوا إلى الحاجز عند مدخل مصفاة کبیر للمكثفات الغازية أي "ستارة خلیج فارس" (نجمة الخليج الفارسی).
دخل شاب يبلغ من العمر حوالي 30 عامًا الحافلة وعرّف عن نفسه بأنه أحد مهندسي ستارة، ونظراً للأهمية الكبيرة للمنشآت والحاجة إلى الحماية الأمنية، فقد طلب من الطلاب تسليم هواتفهم المحمولة لمنع التقاط أي صورة ونشرها في الفضاء الافتراضي، لأنه عمليًا يمكن للعدو عبر تحليل هذه الصور معرفة أصغر التفاصيل المتعلقة بهذه المنشآت.
أدرك الطلاب حينها أهمية هذه المنشأة ، ومن قمة مرتفعة وقف الطلاب وهم ينظرون للمنشأة (المصفاة) مصغيين لأحد مسؤوليها وهو يقدم شرحاً عن مراحل التصميم والبناء لهذا المجمع الضخم قائلاً: "إنّ مصفاة نجمة الخليج الفارسي لتكثيف الغاز هي أول مصفاة صممها وبناها شباب إيراني بهدف إنتاج البنزين والديزل"، وتابع:" عندما بدأت العقوبات الظالمة على الجمهورية الإسلامية من قوى الاستعمار ولم يسمحوا لنا بشراء البنزين، فتقرر بناء هذه المصفاة، فعمل شباب النخبة في الجامعات ليلاً نهاراً في ظل طقس حار جداً تتميز فيه هذه المنطقة بناءً لتوصيات السيد القائد (حفظه الله) بالجهاد الاقتصادي، وأكمل متحدثاً عن خصائص المنشأة أي مصفاة النفط :" بدأ بناء هذه المصفاة التي تبلغ مساحتها 700 هكتار في عام 2005 وهي الآن أكبر مصفاة لتكثيف الغاز في العالم. لقد قضى شبابنا أشهرأ طويلة في بنائها وهم بعيدون عن عائلاتهم، لقد بنوا هذه المصفاة بالتوكل على الله لمواجهة العدو في الحرب الاقتصادية، فكما شكل تحرير خرمشهر لطفاً وعوناً من الله ، هذا الفتح ببناء المصفاة بأيدي أبناء إيران ما كان ليتحقق بدون ذكر الله. لذلك أثار هذا غضب العدو، وفي صيف عام 2022 ، أدرجت شركة "ستارة الخليج الفارسي "في قائمة عقوبات وزارة الخزانة
الأمريكية.
القتال البحري وأسر فرقة الكوماندوز الأمريكية
في صباح اليوم التالي ذهب الطلاب إلى القاعدة البحرية للحرس الثوري الإسلامي في "بندرعباس" . والتي حضروا فيها احتفالاً لبحرية الحرس الثوري بمناسبة إضافة معدات متخصصة ودفاعية إلى قطعها البحرية وذلك بحضور القائد العام للحرس الثوري اللواء حسين سلامي وقائد البحرية في الحرس الثوري الأدميرال علي رضا تنكسيري ومجموعة من كبار القادة العسكريين والمسؤولين.
في الاحتفال، تم الكشف عن سفينة "شهيد مهدوي" البحرية و 99 من القوارب السريعة، فرح الطلاب كثيراً لكونهم أول من شاهد السفينة العملاقة والقوارب العالية السرعة والمسيّرات التي صنعها شبابهم.
بعد التجول في الموقع والتعرف على ميزات قوارب الجيل الجديد التي تطلق الصواريخ بدلاً من الکاتیوشا، ذهب الطلاب إلى قلب مياه الخليج الفارسي بالزوارق السريعة لتجربة الحرب
البحرية.
كانت القوارب تتحرك بسرعة حوالي 80 كيلومترًا في الساعة، وكانت تطير معها قلوب الطلاب فرحاً وفخراً ، وبعد الدوران حول السفينة العملاقة " شهيد مهدوي" عدة مرات، أخبر أحد قادة البحرية الطلاب عن معركة الشباب الإيراني مع السفن الأمريكية العملاقة في السنوات الأخيرة من حرب الثماني سنوات، وتحدث عن شجاعة الشهيد نادر مهدوي ورفاقه ضد العدو، وروى قصة تدمير أكبر فرقاطة بحرية في التاريخ ، ما أغاظ العدو الأمريكي الذي أسر الشهيد نادر مهدوي بسبب إصابته ، حيث عمد العدو إلى ثقب صدره بمسامير حديدية طويلة، ومن ثم أطلقوا النار عليه في ذراعه وقلبه وجبهته، فاستشهد رحمة الله عليه تحت وطأة
التعذیب.
بعد العودة إلى القاعدة البحرية، استقل موكب الطلاب سفينة أخرى صممها وبناها شاب إيراني يدعى "شهيد ناظري"، بعد أداء صلاة الظهر والعصر على ظهر السفينة، توجه الوفد الطلابي إلى جزيرة قشم. أثناء المغادرة، أشار للوفد أحد قادة البحرية للطلاب عن عملية القبض على فرقة الکوماندوز الأمريكية التي اعتدت على مياهنا الاقليمية، موضحاً امتلاك الجمهورية الاسلامية القدرة والمكانة التي تدفع بالأمريكيين وبمجرد تلقيهم أدنى تحذير من البحرية الإيرانية، الابتعاد أبعد مسافة ممكنة عن المياه الاقليمية الإيرانية.
الرؤوس تحدق في السماء لمشاهدة المسيّرات المثیرة للجدل وهي تطير
وكانت المرحلة الأخيرة من الرحلة هي زيارة القاعدة الجوية للحرس الثوري الإيراني في جزيرة قشم، وكان الطلاب يعتبرون أول مدنيين تطأ أقدامهم هذه القاعدة. وظهر ضابط شاب وسط الطلاب وقال:" إنّ هذه القاعدة تلعب دورًا مهمًا في مراقبة تحركات القوات الأجنبية، خاصةً الأمريكيين في جنوب البلاد".
من ثم وعلى شاشة عملاقة عرض فيديو يظهر حركة الطلاب منذ مساء أمس في بندرعباس، ووجودهم وسط الخليج الفارسي، وقد التقطت مشاهده عبر عدسة كاميرا بدون طيار(طائرة مسيّرة)، ما أشعل الحماسة في قلوب الطلاب الذين شعروا بالعزة والفخر والأمان لكونهم في حمى ودعم مسيّرات قوات الحرس الثوري الإيراني.
بعدها روی أحد ضباط القاعدة الجوية المرحلة الصعبة التي عاشتها الثوات الإيرانية في الدفاع المقدس، والتي خلت من أبسط الصور الجوية للمعركة بسبب قلة الإمكانيات في حينها، وأن الجيل الأول من الطائرات بدون طيار صُنع على يد الشباب الإيراني في الحرب المفروضة ، وتطورت صناعة المسيّرات لتتحول الآن إلى صناعة فريدة تتميز بها الجمهورية الإسلامية على الصعيد العالمي، مسببةً الخوف للأعداء من تطورها وأهميتها المتقدمة في المعارك العسكرية. كما شهدت المناورات تحليق طائرتا "شاهد 129" و"شاهد 191" عدة مرات، وأخرها فوق رؤوس الطلاب الذين صفقوا
وهللوا لها.
وانتهت الرحلة التي استمرت يومين بالتقاط صور تذكارية للطلاب داخل طائرة مسيرة قصفت مواقع داعش في العراق وسوريا عدة مرات، ومن ثم العودة بطائرة عسكرية إلى طهران.
في مطار قشم، عندما بثت أخبار وصور إزاحة الستار عن الزوارق السريعة والسفينة الحربية للشهيد مهدوي بحضور الطلاب، ارتفعت في صالة الانتظار أصوات التصفيق والتهليل، وكان من الواضح أن الطلاب استمتعوا بهذه الرحلة والتعرف على مظاهر التقدم العلمي والمعرفي
في بلدهم.
آراء الطلاب حول رحلة " مسارات التقدم"
تعددت الأراء حول الرحلة ولكنها أجمعت جميعها على العزة والفخر بالتطور المبهر للجمهورية الإيرانية في هذه الصعد، فقال الطالب علي من محافظة خراسان جنوبي لمراسل الوفاق: "ستكون هذه بالتأكيد أفضل رحلة لي في حياتي، رحلة شاهدت فيها التقدم العلمي والقوة العسكرية الإيرانية، والآن أفهم سبب هذا الهجوم الواسع على بلدي، لأننا صنعنا الثقة بالاعتماد على أنفسنا دون الحاجة للأجانب".
كذلك اعتبر الطالب أبوالفضل من محافظة أصفهان أن الجزء الذي لا يُنسى من هذه الرحلة هو تجربة ركوب زوارق حربية سريعة قائلاً: "عمي أحد شهداء الحرب المفروضة وقد قرأت العديد من القصص حول الدفاع المقدس ولکن لم أسمع أو أقرأ الكثير عن قتال الأمريكيين بحراً وكان هذا ممتعاً جداً بالنسبة لي".
أمّا الطالب نوید من طهران فقد أعرب في حديثه للجريدة عن فرحته لرؤية ستارة الخليج الفارسي وقال: "يجب أن نكون قوة اقتصادية حتى يكون لدينا ما نقوله، أود أن أدرس الهندسة في جامعة شريف لأصبح مهندساً وأنضم إلى ستارة".