«على أمل العودة قريباً».. التكية السليمانية تودع أهلها
التكيّة السليمانية أحد الشواهد على العمارة العثمانية في دمشق، أمر ببنائها السلطان سليمان القانونيّ فحملت اسمه التكيّة السليمانية. لكنها اليوم تودع أهلها لفترة بسبب أعمال إعادة الإعمار.
حزينة، شاحبة، وصامتة. خمدت أصوات آلات البروكار، والدامسكينو، والأغباني، والموزاييك، واختفى صنّاع الزجاج اليدوي، والصدف، والخزف، والفخار، كما اختفى أيضاً السيّاح المحليون والأجانب الذين كانوا يقصدونها، وغاب أهل المدينة تماماً عن هذه المنطقة للمرة الأولى منذ 450 عاما، هكذا تبدو "التكية السليمانية" وسط العاصمة السورية دمشق اليوم، بعد قرار حكومي بإخلائها لإجراء عمليات ترميم شاملة فيها.
التكية السليمانية تعتبر إحدى المعالم الأثرية المميزة داخل العاصمة دمشق، ومقصداً رئيسياً للزوّار الذين يأتون إليها لرؤية تفاصيلها التاريخية الفريدة، ولمشاهدة صنّاع الحرف الدمشقية اليدوية التقليدية، الذين ما زالوا إلى اليوم يحافظون على مهن الآباء والأجداد رغم التطور التكنولوجي الكبير. وزير السياحة السوري محمد رامي مرتيني أكد أن القرار جاء بعد أن ظهرت في تسعينيات القرن الماضي مشكلة هبوط الأرضية والتشققات الجدارية، وتفاقم الأمر بعد عام 2011 إثر تعرض التكية لعدة قذائف، وازدادت الهبوطات الأرضية بعد انخفاض منسوب نهر بردى، وهذا كله شكّل خطراً على السلامة العامة والإنشائية، وهدد بانهيار هذا المعلم الأثري المهم.
علاقة خاصّة مع الدمشقيين
العبق التاريخي والتفاصيل الفريدة التي تمتعت بها التكية السليمانية خلقت علاقةً خاصّة مع سكان العاصمة الذين يقصدونها يومياً لأغراض مختلفة، كما شكّلت تلك التفاصيل عامل جذب للسيّاح العرب والأجانب في السنوات التي سبقت الحرب في البلاد، ما جعلها واحدة من المقاصد السياحية الرئيسية في دمشق.
الرسام مصطفى أحمد إدريس، يقول للميادين نت: "ارتدت التكية السليمانية مذ كان عمري 16 عاماً، وكانت في ذلك الوقت الملاذ اللطيف الذي ألجأ إليه، وحتى عند دراستي في كلية الفنون الجميلة كنت أذهب إلى التكية بصحبة زملائي، حيث كنا نمارس أنشطتنا الفنية بكل هدوء وبعزلة عن المجتمع وبدون أيّ مضايقات، فكانت التكية بيئة إيجابية للفنانين الشباب والرسامين، إضافة إلى جو الأمان والراحة الذي توفره لزوّارها".
ويضيف إدريس: "في ظل الحداثة العمرانية والتشويه للهوية الدمشقية، كانت التكية هي المكان الذي يعبر عن هوية دمشق وعراقتها وأصالتها، لكن التكية خلال الفترة الأخيرة كانت منهكة جداً من الداخل، فالأسقف بحاجة إلى الترميم والأرض ملتوية، وكان من الممكن أن تشكّل خطراً مع مرور الزمن".
منذ بداية السبعينيات في القرن الماضي احتضنت "التكية السليمانية" أهم الحرف الدمشقية القديمة وحرفييها، لتتحول منذ ذلك الوقت إلى أهم المعالم الأثرية القريبة لقلوب السوريين، وباتت تحمل في طياتها ذاكرتهم الاجتماعية، كما أصبحت خلال السنوات اللاحقة مقصداً رئيسياً للسياح العرب والأجانب، كما أنها باتت جزءاً لا يتجزأ من ذاكرة الدمشقيين الذين تعلّقوا بتفاصيل "التكية" ومعالمها والحرف اليدوية الفريدة الموجودة ضمن محالها.
وفي هذا السياق، يؤكد مستشار وزيرة الثقافة السورية والمؤرخ علي القيّم للميادين نت، أن التكية السليمانية هي أحد معالم مدينة دمشق القديمة إلى جانب الجامع الأموي الكبير، وقلعة دمشق، والبيمارستان النوري، وقصر العظم، وأسوار دمشق، كاشفاً أن معظم تلك المعالم تحتاج إلى ترميم ورعاية.
ويشير القيّم إلى أن التكية السليمانية تُمثّل مرحلة متطورة من العمارة والفن الهندسي في دمشق، التي تعتبر أقدم عاصمة مأهولة في العالم، وقال المؤرخ السوري: "في كل دول العالم هناك اهتمام بالحرف التقليدية والصناعات القديمة، ودمشق مشهورة بالعديد من الصناعات مثل الأغباني والقيشاني والسيف الدمشقي والصناعات الفخارية، لذلك فإن الاهتمام بها يكرّس الهوية الثقافية لدمشق، لذلك جاءت عمليات الترميم للتكية، لكنها تحتاج إلى تأني وإجراء دراسات وأبحاث واسعة". أما بالنسبة لنقل الحرفيين إلى "حاضنة دمر التراثية"، يؤكد القيّم أن ذلك له أثر سلبيّ، خصوصاً أن منطقة "دمر" تبعد حوالى 10 كلم عن مركز مدينة دمشق، وبالتالي هؤلاء الحرفيون المتجذرون في التكية منذ عشرات السنين تم تشتيتهم من خلال نقلهم إلى حاضنة دمر.
رغم أن العودة لن تكون بعيدة على حرفيي التكية السليمانية وزوّارها، إلا أن ذلك لم يخفِ مشاعر الحزن والغصّة التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي في سوريا بُعيد الإعلان عن القرار الحكومي بالإخلاء.