فن لخّص الحكاية الفلسطينية
فن "سليمان منصور" لخًص الحكاية الفلسطينية؛ إذ كرّس مسيرته الفنية التي قاربت الخمسين عاماً للتعبير البصري عن الهوية الفلسطينية، وهموم قضيتها عبر ربط سيرورة الفن بالأرض والنضال معاً؛ فمُنجزه الفني بين منحوتات ولوحات تشكيلية لا يعد مجرد تعبير عن الواقع الاجتماعي والسياسي للفلسطينيين فحسب؛ بل أصبح فعلاً مقاوماً بحد ذاته. هو أحد أبرز فناني الحركة التشكيلية الفلسطينية المعاصرة في أعقاب النكبة. هو سليمان منصور وكيف جعل فنه مرآة تعكس الواقع الغاضب للفلسطينيّين وتوثق معاناتهم في الداخل المحتل والشتات، ولماذا حجز لنفسه موقعاً خاصاً بين رواد المقاومة بالفن؟
أثبت سليمان منصور، وأقرانه من أبناء النكبة أن رهانات التاريخ الفني للفلسطينيين المتجذرة في عمق القضية الفلسطينية والنزاع الصهيوني – الفلسطيني، فرضت نفسها في مواجهة المؤامرات التي تنال من ذاكرة وجودهم التاريخي في بلادهم. ورغم أن الفن المرئي لم يحظ بالتقدير الذي يستحقه في منطقتنا العربية؛ إلا أن فناني فلسطين تمكنوا من حجز مكانهم عالمياً.
رؤية فنية تجسد واقعاً سياسياً
رؤية سليمان منصور الفنية تجسد واقع بلاده السياسي؛ إذ يرى أن "الفن يصبح أخرق إذا لم ينتمي لبيئته الأولى"؛ وهو ما جعله ينقل واقع ريف بيرزيت التي ولد بها عام 1947 قبل أن يلتهما الاحتلال الإسرائيلي، عبر عن معاناة فلاحي بير زيت المتمسكين بهويتهم؛ فالجلباب الفلسطيني ذي الغرزة المميزة لا يكاد يفارق لوحاته، كذلك أغصان الزيتون وعيون فلاحي بير الزيت المشتاقة لجني ثماراً تركوها في أراضيهم التي ضاعت في أعقاب النكبة.
ريشة سليمان منصور ومنحوتاته عكست معاناته كفلسطيني يعيش في الداخل المحتل؛ غير أن لوحاته تعد مرآة لمعاناة الفلسطينيين في الداخل والشتات.
أغصان الزيتون وشجرة البرتقال .. رموز النكبة
درس سليمان منصور الفنون التشكيلية تحت الاحتلال في أكاديمية "بتساليل" للفنون في القدس المحتلة، وفي سن مبكرة، وأعتباراً من مروره بمرحلة التعليم الجامعي ساهم، بدءاً السبعينيات في إنشاء رموز تصويرية للنضال الفلسطيني من خلال لوحاته على الورق؛ إذ تضم لوحاته قواسم مشتركة كشجرة البرتقال التي تعتبر رمزاً لنكبة 1948، وأشجار الزيتون التي تمثل حرب 1967، ونقوش التطريز التي تميز الزي التقليدي للنساء في قرى فلسطين المحتلة، فضلاً عن شخصية المرأة الفلسطينية التي تحمل على عاتقها جل هموم القضية باعتبارها أم فلسطين التي تلد ابنائها وتحمي الشعب الفلسطيني، وأخت الأسير وزوجة المقاوم.
أسمعت لوحات سليمان منصور صوت القضية الفلسطينية للعالم، وحصد من خلالها العديد من الجوائز على الصعيدين المحلي والدولي؛ كان من بينها جائزة فلسطين للفنون البصرية في عام 1998، وجائزة النيل الكبرى في بينالي القاهرة السابع في نفس العام، جائزة اليونسكو – الشارقة للثقافة العربية في عام 2019.
جبل المحامل .. فن يحمل القضية الفلسطينية على عاتقه
لوحته الشهيرة "جبل المحامل" التي تجسد عجوزاً فلسطينياً يحمل القدس وقبة الصخرة فوق ظهره مربوطان بحبل الشقاء لخصت الحكاية الفلسطينية في مشهد بديع؛ إذ تجسد فلسطيني رحل قسراً في أعقاب النكبة لكنه لا يزال حاملاً قضيته فوق ظهره مهما أثقلت محامل هذه القضية كاهله.
لوحته الشهيرة هذه لاقت ترحيباً محلياً وعالمي؛ حيث طبعت على شكل ملصقات سنة 1975 وعلّقت في المنازل والأماكن العامة في كافة أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة؛ وكذلك خارج نطاق فلسطين المحتلة.