لمن يستحق الشعر والقوافي
أهواز تستضيف المهرجان الدولي للشعر الرضوي
الوفاق/ خاص
عاشور الكناني
تتسابق القصائد وتعلو نحو الافاق في مهرجان اصبح ملتقى لشعراء جمعهم الشعر الرضوي دون حدود جغرافية وسياسية، في كل عام تتجدد القصائد بمتنوع القوافي والبحور ويزاد معها المدح والثناء لمن يستحق الشعر والقوافي بين زخم القوافي وبحور الشعر تستضيف مدينة اهواز (جنوب ايران) المهرجان الدولي الثالث عشر للشعر الرضوي باللغة العربية بمشاركة عدد من الشعراء العرب في محافظة خوزستان وشعراء من الدول الاسلامية والعربية.
حيث عُقد ملتقى القراءات الشعرية لسلسلة البرامج الدولية للشعر الرضوي باللغة العربية بحضور المدير العام للثقافة والإرشاد الإسلامي بخوزستان والفنانين وشعراء مدن خوزستان منها شادكان والحويزة وباوي وكارون وشوش وكذلك النجف الأشرف والبصرة وعمان، برعاية محافظة خوزستان.
التنافس بين الشعر الفصيح والشعبي
في هذا المهرجان، تم إرسال 170 عملاً في قسمي الشعر الفصيح والشعبي إلى أمانة هذا المهرجان من إيران و11 دولة في العالم مثل تشاد وساحل العاج ولبنان وسوريا والعراق وفلسطين واليمن والإمارات العربية المتحدة من قبل الحكام الدوليين، حيث تم قبول 15 عملاً في قسم الشعر الفصيح و15 عملاً اخر في قسم الشعر الشعبي للمشاركة في المرحلة النهائية من هذا المهرجان.
وفي هذا الحفل، أشار ماجد منادي الوكيل الثقافي والإعلامي للإدارة العامة للثقافة والارشاد الإسلامي لمحافظة خوزستان، إلى ان وجود مرقد الإمام الرضا(ع)، والبركات التي جلبها هذا الإمام إلى إيران الإسلامية وأهمية معرفة طريقة وتعزيز الفضائل والجوانب المختلفة لحياة الإمام الثامن، ومن بين هذه الأمور موضوع الشعر والأدب اللذين لحسن الحظ يهتم بهما بشكل كبير ومستدام في جميع أنحاء ايران والعالم الاسلامي.
استضافة لاول مرة
هنالك بعض مدن محافظة خوزستان شهدت اقامة المهرجان لعدة مرات متوالية لكن البعض منها لم يحض بأن يستضيف تلك المشاركات اما في الدورة الثالثة عشرة استضافت مدينة الهويزة فعالية القراءة الشعرية لسلسلة برامج المهرجان حيث اقيم في قاعة فدك التابعة لدائرة الثقافة والإرشاد الإسلامي بمدينة هويزة حيث ألقى الشعراء قصائدهم في مدح الإمام الرضا(ع) كما شهدت القاعة حضورا فاعلا ومميزا قل نضيره نضرا لما تمتلكة المدينة من حب للشعر وشعراء وارضية ثقافية وفنية معروفة منذ القدم امتدت الى عصرنا الراهن.
مقارنة المهرجان مع دوراته المنصرمة
مهرجان الإمام الرضا الدولي (ع) في دورته الثالثة عشرة والذي بدأ عمله تميز بأختلافات كبيرة ونوعيىة مقارنة بمهرجاناته السنوية السابقة حيث كان الاكثر شعبية، كما انه كان أكثر شهرة من مهرجانات الفجر والمقاومات ومهرجان عمار، والسبب الأول هو مقام الامام علي بن موسى الرضا(ع) الذي استولى حبه على قلوب الصغار والكبار وجميع طبقات المجتمع الاسلامي.
مما يخلق جواً تنافسياً بين اهل الشعر والفن والإعلام لانتاج عمل فاخر وفعال في مجال المدح للامام الرضا(ع) والتأثير على الهيكل العام للمجتمع وأفراده حيث جاشت القرائح بمحبة ثامن الحجج من أئمة الهدى ورموز السلام، وسطرت الأقلام قصائد واهتزت لها القلوب الصادقة وشنفت لها الآذان واستجابت لها الأرواح العاشقة التي حلقت في سماء طوس، حيث مثوى الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام، باكية على أطلال يفوح في أرجائها شذى الطهر وتستضاء بنور الإيمان، مستذكرة سيرة طيبة ومناقب جليلة.
جماليات المهرجان الفنية والتشكيلية
قد ازدحمت، أثناء فعاليات مهرجان الشعر الرضوي في خوزستان، قصائد الشعراء والمحبون بباب الإمام الرضا(ع) يمدون إليه أرواحهم للنهل من نبع جمال لا ينفد، وكما قال الشاعر محمود الباوي أحد المشاركين في المهرجان الشعر الرضوي :
يا ثامنَ الماءِ
هَبني من رؤاكَ ندى
مَددتُ روحاً.. ولم أمدُدْ إليك يَدا
آراء الحاضرين
يقول الدكتور احمد الساري الاستاذ في اللغة العربية والذي كان حاضراً في مهرجان الهويزة في اطلالته الاولى
كان قد التقى خلال الإيام القليلة الماضية، في مدينة أبو معتوق الحويزي، طليعة من الشعراء بجمهور متشوق إلى نغم كلمات صدحت بها حناجر الشعراء، فأطربت لها النفوس وانفعل بها الحضور. وفوجئتُ بنصوص تميزت بمستوى فني راق ومعان بديعة. فالشاعر محمود الباوي جاء بقصيدة عنوانها (الثامن من سلالة الماء) تميزت هذه القصيدة برقة العاطفة وانسياب المعنى وتوظيف اللغة السهلة المعبرة بصدق وحرارة عن مكنون النفس.
ويضيف الساري: قد تطالعنا القصيدة منذ العتبة الأولى بالتصوير الاستعاري ذي الدلالة الطريفة التي تشد القارئ منذ مطلعها. اذ استعار (الماء)، وهو منشأ الحياة والمادة الأولى التي استمد منها الكون وجوده، للتدليل على الإمام/ الممدوح.
وقد خلق الله الماء قبل كل شيء آخر "وخلقنا من الماء كل شيء حيا"، وقال الامام الباقر(ع): "الماء الذي خلق الأشياء منه فجعل نسب كل شيء الى الماء".
وقد استعار الشاعر الماء ليجسد الاعتقاد القائل بأن الكون بدأ بمحمد(ص) وأهل بيته "لو لاك لما خلقت الأفلاك" وقال ابوجعفر الباقر(ع) "كان الله ولا شيء غيره ولا معلوم ولا مجهول، فأول ما ابتدأ من خلق خلقه، أن خلق محمداً (ص)، وخلقنا اهل البيت(ع) معه من نور عظمته". وإن هذا المعتقد شكّل أساس بناء القصيدة والثيمة العامة للنص. ومن هذا المنطلق اشتق الشاعر صورا بديعة ومفارقات جميلة. ففي قوله:
هو النزولُ لما في الأرض من قمم
ولم يزل نازلا من فرط ما صعدا
يقول احمد الساري بشأن القصائد لقد جسّد رؤيته في علو شأن الإمام؛ إذ أن الحركة الرأسية للنزول من الأعلى /السماء إلى الأرض لتصور الممدوح في أعلى مراتب العلو والقدسية وتستحضر ما يلازم هذا النزول من تدفق للرحمة والنعم التي مصدرها السماء.
ويضيف الاستاذ احمد جاءت الجوانب الإيقاعية للنص متناسبة مع التجربة الشعرية والشعورية. فإن البناء العمودي للقصيدة واختيار الشاعر للبحر البسيط(وهو من الأبحر الشائعة في الشعر العربي) قد أسهم في شد القارئ منذ العتبة الأولى. فيتميز البحر البسيط بجزالته و"تجد للبسيط بساطة وطلاوة" على حد تعبير حازم القرطاجني.
إن كثافة المقاطع الطويلة تبطئ التدفق السريع للوزن الشعري وتستدعي بالطبع القارئ للوقوف على الكلمات وتحسس ما فيها من معان و ظلال. وجاء الإيقاع الداخلي داعما لتحقيق هذا الغرض؛ إذ بدأ الشاعر القصيدة بقوله:
يا ثامن الماء هبني من رؤاك ندى
إن توالي حروف المد إضافة لما تستثير في نفس القارئ من عاطفة، تشيع إيقاعا ذي حركة متباطئة (يمكن الرجوع لكتاب رماد الشعر ص٣١٥) وإن هذه الحركة البطيئة والرزانة في تسلسل الكلمات ليناسب الموقف الذي وقف به الشاعر وهو يمدح إماما جليلا مقدسا. وأما القافية المطلقة فهي جاءت مع غيرها من السمات الإيقاعية، تبطّئ الحركة وتعزز الشعور بالوقار وتستوقف القارئ أمام المعنى المراد وتبث فيه الشعور بجلال الموضوع.
وكذلك قد برع الشاعر في التصوير الفني القائم على بناء الصورة المفارقة ففي قوله:
يا أيها الواحد المسلوب من وطن
لكنه في أقاصي الغربة احتشدا
فإن الوحدة والغربة هنا ليست مصدر ضعف وهوان ومذلة للإمام الرضا(ع)، بل على العكس من ذلك كان قد استبدل الوطن بمحبة من الناس أجمعين، واجتمعت حوله الحشود التي لم تنقطع يوما.
ومن ذلك قوله أيضا:
هو الغريب جوازا
حيث ناء به قربُ الإله..
ورام القرب فابتعدا!
فإن البُعد وإن تغربه عن الأوطان غير أنه نال من خلاله قربا عند الله.
تمكن الشاعر من خلال التصوير الفني إضفاء العلو والقدسية لممدوحه إذ قرنه وشبهه بما يتمتع بصفتي المقدس والجليل قائلا:
مسافرا جاء مملوء كمئذنة
تؤطِّر الصوت تاريخا ومعتقدا
فإذا كانت المئذنة تستدعي الناس إلى الله فإن رسالة إمام الرضا(ع) تجاريها من حيث دعوته أبناء الأمة لاتباع الحق ومناصرة الدين.
وقد تناص الشاعر مع القرآن الكريم مستحضراً قصة سيدنا موسى كليم الله (ع)، موظفا تلك الأجواء النورانية للوادي المقدس طوى. وكان الجناس التام في لفظتي (طوى) قد اختزل مشهدين طريفين أحدهما رحلة الإمام الطويلة والقاسية إلى خراسان والآخر رحلة سيدنا موسى المعرفية لمعرفة الله تعالى والقبس من نوره الوهيج، ونال كل منهما مبتغاه فهذا قد كلّم الله وبلغ
النبوة.