هل سيشکل زلزال سورية بوابة لعودة العلاقات العربية-السورية؟
التحركات العربية الأخيرة اتجاه السورية... الدوافع والضرورات
الوفاق - خاص
جميل رحال
تعرضت سورية مؤخرا لزلزال مدمر ضرب المناطق الشمالية والغربية من البلاد، وخلف وراءه الكثير من الضحايا والدمار وبحسب الإحصاءات بلغ عدد شهداء الزلزال في سورية حتى الأن حوالي الستة ألاف شهيد ناهيك عن الجرحى والعدد الكبير من الأسر الذين خسروا منازلهم، وعلى الرغم من انتهاء الزلزال إلا أن الهزات الإرتدادية التي تلته لازالت مستمرة، ليس فقط على الصعيد الجيولوجي وإنما على الصعيد السياسي أيضا، فتحرك الصفائح التكتونية تلاه تحرك عدد من العواصم العربية اتجاه دمشق ، ولواختلفت أشكال هذا التحرك، من زيارة إلى اتصال أو ارسال مساعدات، إلا أن أهميتها تكمن في كونها تأتي بعد انقطاع دام مايقارب العشر السنوات، فاللمرة الأولى منذ عدة سنوات حطت الطائرات العربية على مدرجات المطارات السورية حاملة المساعدات والرسائل الغير مباشرة، كذلك بدأ التمهيد لإعادة التواصل مع دمشق سواء من خلال زيارات سريعة أو اتصالات، فعلى الرغم من الطابع الإنساني لهذه التحركات إلا أنه لايمكن إغفال الأهداف السياسية بإعادة التقارب مع دمشق، وخصوصا أن ماعاناه وتكبده الشعب السوري خلال السنوات الأخيرة من الحرب والحصار أثاره لاتقل وطأة عن أثار الزلزال الذي حصل.
الإرتدادات السياسية للزلزال
بعد انتشار أخبار الزلزال سارعت عدد من الدول العربية إلى ارسال طائرات إلى سورية تحمل المواد الإغاثية ويرافقها أطقم الدفاع المدني للمساعدة في العثورعلى ناجين تحت الأنقاض أو انتشال الضحايا، ومن هذه الدول من لم تنقطع علاقتها مع سورية خلال كل فترات الأزمة كالجزائر والعراق، ومن بينها من سعى مؤخرا لإعادة العلاقات كالإمارات التي وصل وزير خارجيتها عبدالله بن زايد ال نهيان إلى دمشق بعد أيام قليلة من حدوث الزلزال وقابل الرئيس بشار الأسد، أما الدول التي كان تحركها مفاجئا فهي مصر التي أجرى رئيسها عبد الفتاح السيسي اتصالا هوالأول من نوعه مع الرئيس بشار الأسد منذ تولي الأول للحكم في مصر،وعبر خلاله عن تعازيه للرئيس الأسد في الضحايا وتضامنه مع سورية حكومة وشعبا وأبدى استعداد بلاده لتقديم العون اللازم،کما حضر وزير الخارجية المصري سامح شكري للمرة الأولى منذ اثني عشر عاما إلى سورية والتقى الرئيس السوري بشار الأسد، وكذلك أجرى ملك البحرين حمد بن عيسى ال خليفة اتصالا مماثلا مع الرئيس السوري. وبدوره قام وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بزيارة إلى سورية هي الأولى منذ اندلاع الأزمة السورية وقابل خلالها الرئيس الأسد ونظيره السوري فيصل المقداد، ولعل الخبر الأبرز هوالتسريبات التي انتشرت مؤخرا في وسائل الإعلام عن ترتيبات تجري للتحضير لزيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى سورية، بالإضافة إلى تصريح وزير الخارجية السعودي على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن عن أهمية الحوار مع سورية، وهنا تجدر الإشارة إلى أن السعودية أرسلت طائرة مساعدات إلى سورية رافقها مسؤول الهلال الأحمر
في المملكة.
أسباب تغير الموقف العربي اتجاه سورية
صحيح أن الزلزال كان حادثا مأساويا وخلف الكثير من الضحايا والدمار في سورية، وأن تحركات الدول الشقيقة لها جانب انساني كونها تسعى للوقوف مع سورية في محنتها ومصابها، ولكن بطبيعة الحال فإن الأحداث التي عاشتها سورية خلال العشر سنوات الماضية لا تقل مأساوية عن الزلزال وعلى جميع الأصعدة، فما الذي تغير في الموقف العربي
اتجاه سورية؟
يمكننا القول بأنه بات واضحا أن هناك رغبة عربية وليست وليدة اللحظة بإعادة العلاقات مع سورية،ولعل الإمارات كانت السباقة في إظهار هذه الرغبة، ورغم أن كارثة الزلزال كانت سببا مباشرا للبدء بالتواصل مع سورية، إلا أن هناك عدة أسباب مهدت إلى هذه الخطوة.
فشل الحرب على سورية
على الرغم من مرور حوالي ثلاثة عشر عاما على الحرب على سورية بما تضمنته من حرب عسكرية وإعلامية وإقتصادية، إلا أن هذه الحرب لم تتمكن من تحقيق هدفها الرئيسي المتمثل بتغير نظام الحكم في سورية، وهذا أصبح أمرا واقعا بدأت تعترف به الدول واحدة تلوى الأخرى، وإن مايجري حاليا من ضغوط وعقوبات اقتصادية تمارس على سورية هوبهدف الحصول على تنازلات من قبل الدولة السورية وليس أكثر، وبالتالي لابد من إعادة العلاقات مع سورية، لاسيما أن سورية من الدول المحورية والمؤثرة في العالم العربي والمنطقة بحكم مكانتها التاريخية والجيوسياسية، واستمرار القطيعة العربية-السورية ووجود سورية بعيدة بشكل كامل عن محيطها العربي لن يزيد الأمور إلا تعقيدا، ولن يساهم في حل الأزمة السورية ومالها من انعكاسات على الدول العربية وخصوصا الدول المجاورة.
منافسة الدور الإيراني في سورية
مع قيام الثورة الإسلامية في ايران والتحول الجذري في السياسة الإيرانية في المنطقة من دولة تعمل كأداة منفذة للرغبات الأميركية والغربية، إلى دولة تقف في مواجهة المعسكر الأميركي ومناصرة للقضية الفلسطينية، نشأ تحالف استراتيجي بين سورية وايران، وكثيرا ما أثار هذ التحالف في العديد من المواقف حفيظة بعض الأطراف العربية على الرغم من حفاظ سورية على التوازن في العلاقات مع الطرفين الإيراني والعربي. ومع استلام الرئيس بشار الأسد للحكم في سورية والتغيرات السياسية التي طرأت على المنطقة من احتلال العراق إلى خروج الجيش السوري من لبنان وغيرها من لأحداث، اتجهت سورية إلى تعزيز تعاونها بشكل أكبر مع ايران وأصبحت سورية أحد أهم قوى محور المقاومة،ولكن في ذات الوقت ظل الدور الإيراني في سورية محدودا، إلى أن بدأت الحرب السورية والتي تدخلت فيها أطراف كثيرة إقليمية ودولية عمدت إلى تسليح الجماعات الإرهابية المعادية للدولة السورية وقدمت الدعم المالي والسياسي لها بهدف الإطاحة بنظام الحكم في سورية، وكانت عدد من الدول الخليج الفارسي رأس حربة في الحرب على سورية، ونظرا لشراسة هذه الحرب على جميع الأصعدة، فكان من الطبيعي أن يتدخل محور المقاومة فيها بشكل مباشر وعلى الأرض السورية مما أتاح المجال أمام ايران للعب دور أكبر في سورية، ليس فقط على الصعيد العسكري وإنما الإقتصادي والإجتماعي أيضا. أما الأن ومع التسليم بعدم القدرة على الإطاحة بالأسد أو تغيير نظام الحكم في سورية، فلا بديل لدى هذه الدول عن إعادة فتح العلاقات مع دمشق للعب دور في المرحلة المقبلة وخصوصا في إعادة الإعمار، لاسيما أن سورية تعيش حاليا وضعا اقتصاديا صعبا للغاية بعد ماخلفته الحرب من دمار في البنى التحتية وما يمارسه الغرب عليها من حصار اقتصادي، بالإضافة الى الصعوبات الإقتصادية التي يعاني منها حليفيها الرئيسين ايران وروسيا فالفرصة مواتية للدول العربية لإعادة العلاقات العربية-السورية إلى مسارها.
كبح جماح التمدد التركي عربيا
بعد عقود طويلة من الإنكفاء داخليا عادت تركيا خلال الخمسة عشر عاما الأخيرة وتحديدا مع احكام حزب العدالة والتنمية قبضته على مفاصل الحكم في البلاد للعب دور سياسي في المنطقة، وبدأت بتوسيع نفوذها على عدة محاور ومن ضمنها المحور العربي بشقيه الإفريقي والأسيوي وبات هذا النفوذ يشكل خطرا على الأمن القومي العربي، فعمدت تركيا إلى توسيع نفوذها في الخليج الفارسي وأنشأت قاعدة عسكرية في قطر، كما دخلت ليبيا من بوابة الصراع الدائر على الأرض الليبية لتدعم حكومة الوفاق بالسلاح والعتاد وحتى المقاتلين الذين نقلتهم من شمال سورية إلى هناك، كذلك قامت بإنشاء قاعدة عسكرية في الصومال وهي تعد من أكبر القواعد التركية خارج الحدود، وعلاوة على كل هذه التدخلات في المحيط العربي إلا أن تدخلها في سورية ودعمها للمجموعات الإرهابية في الشمال السوري لقتال الدولة السورية بغية تحقيق مكاسب سياسية تمكنها من ايجاد نفوذ سياسي لها في الداخل السوري بعد الحل، يعد الأخطر نظرا لأهمية سورية ومكانتها التاريخية والجيوسياسية في العالم العربي والمنطقة كما ذكرنا سابقا، لذلك فإن التقارب مع سورية حاليا في مواجهة النفوذ التركي لايعد وقوفا مع سورية لحماية أمنها فقط وإنما دفاعا عن الأمن القومي العربي ككل.
كل ما ذكرناه إلا أنه ليس إلا مراجعة سريعة للتطورات الإقليمية الحالية، وبإمكاننا الحديث عن أهمية عودة العلاقات مع سورية لكل دولة من الدول العربية على حدى، ولكن نكتفي بهذا القدر وما تم ذكره من أسباب ومعطيات تجعل عودة العلاقات العربية-السورية في الوقت الحالي ضرورة عربية، ويمكننا القول بأنه وبناء على هذه المعطيات "الحالية" قد تكون عودة سورية إلى الجامعة العربية قريبة جدا.