الجريح الإيراني العقيد علي أميدي للوفاق:
كنت أود مرافقة أصدقائي في لبنان لمواجهة العدو الصهيوني
الوفاق/ خاص
عبير شمص
هم شهداء أحياء، نزفت جراحهم لنحيا بحريّة. قدّموا أجزاء من أجسادهم في طريق ذات الشوكة، فسجّلوا الانتصار تلو الانتصار. واجهوا العدو المتربص بالأمة في كل مكان: في إيران ولبنان وفلسطين وموطن كل حرٍ أبي... كانوا من المنتظرين المتعطّشين للشهادة.. حفروا التراب بأجسادهم وكتموا على جراحهم الممتزجة دماؤها بملح الأرض، كي يشقوا مسار أبناء أوطانهم إلى وطن آمن بلا خوف. أولئك الجرحى أو الشهود الأحياء: "شهود على أن ما ننعم به اليوم في بلداننا من إنجازات، من انتصارات، من أمن، من سلام داخلي، من قوة ردع، ومن استقرار يعود بدرجة كبيرة جدًا إلى تضحياتهم، وإلى دمائهم، وإلى جراحهم.. مع حلول ذكرى ولادة قمر بني هاشم، أبي الفضل العباس (ع)، ويوم الجريح، استضافت صحيفة الوفاق في لقاءٍ خاص عدداً من جرحى بلدان محور المقاومة، فكانت المقابلة مع الجريح الإيراني العقيد علي أميدى، والجريح اللبناني رضا عقيل، وكان الحوار التالي :
الجريح الإيراني أميدى:قرأت الأشعار في حضور الإمام الخميني (قدس)
يبدأ الجريح بحديثه بالقول:" بدأت الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية في عام 1980 م، كنت أبلغ حينها الرابعة عشرة من عمري وكنت ما زلت في المدرسة، لكنني قررت في الأيام الأولى من الدفاع المقدس التوجه إلى الجبهة. قبل ذلك، بالطبع، ساعدت الشباب الأكبر مني سناً في حرس الثورة الإسلامية في أنشطتهم في الأحياء للحفاظ على النظام في المجتمع وحياة الناس وممتلكاتهم الخاصة، وكذلك في العديد من الأنشطة الثقافية والدينية، فأنا قارىء للقرآن الکریم ورادود في المجالس الحسینية. وكان لي شرف مشاركتهم باقتحام وکر التجسس الأمريكي في العاصمة طهران".
المشاركة في الدفاع المقدس دون علم الأهل
ويتابع:" کنت أعلم بحضور زوج شقيقتي في الجبهة برفقة الشهيد الدكتور شمران، فحددت موعدًا مع إثنين من أصدقائي للهروب من المنزل بدون إعلام عائلاتنا والذهاب إلى مدینة أهواز، وهذا ما حصل، وصلنا إلى محطة الحافلات مع صديقيّ ولكن تراجع أحدهم عن قراره معللاً ذلك بقلق والديه عليه، فودعناه وأعطيناه حقائبنا المدرسية وكتبنا التي أحضرناها معنا لإقناع أهالينا بذهابنا إلى المدرسة في دوام بعد الظهر، خشيةً منعنا من الذهاب إلى الجبهة."
ويكمل الجريح:" وصلت أنا وصديقي إلى منطقة أهواز بعد یومٍ من السفر بالحافلة، خاف صديقي من أجواء الجبهة، وقفل راجعاً إلى العاصمة، لذا بقيت بمفردي، وذهبت للبحث عن نادي الجولف الأمريكي في أهواز، والذي تحول إلى ثكنة لشباب الحرس الثوري الإيراني تحت اسم "منتظران شهادت"، وصلت إلى هناك، وانضممت لهم، ومن ثم ذهبنا إلى آبادان التي کانت تدور المعارك فيها مع بعض شباب الحرس الثوري الإيراني والقوى الشعبية، وشاركت في معارك هذه المدينة الصامدة لمدة شهر".
ويلفت الجريح إلى أنه:" عندما تم تنظيم الجبهات، أُخبرت بعدم وجود ملف خاص بي لدی القوی المسلحة، لذا يتوجب علي العودة للعاصمة وتهيئة الملف ومن ثم العودة إلى الجبهة. وبغض النظر عما فعلته، لم تسمح لي القيادة بالبقاء واضطررت إلى القدوم إلى طهران بعد شهرٍ من بقائي في جبهة آبادان".
ويتابع:"عندما قدمت إلى طهران لم تسمح لي أسرتي بالعودة، ولكنني أقنعت والدتي بالموافقة على المشاركة، لكن كان هناك موانع أخرى أهمها صغر سني، فالسلطات كانت تمنع إرسال أي شخص دون سن 18 عامًا. وبعد التشاور مع شباب آخرين توصلت إلى استنتاج مفاده أنه يجب علي التلاعب بشهادة ميلادي وتغيير عمري لكي أصبح أكبر سناً، وهذا ما حصل، وقدمت الهوية للشخصية للسلطات، فسمحوا لي بالمشاركة وحضرت الدورات التدريبية الضرورية".
اللقاء مع الإمام الخميني (قدس)
ويشير الجريح إلى أنه:" تزامنت نهاية الدورة مع لقاء عدد من قوات الحرس الثوري بالإمام الخميني(قدس) الزعيم الحبيب للأمة الإيرانية وكان سبباً لمواجهة كل المصاعب والمخاطر. وبصفتي رادود حضرت اللقاء وأنشدت الأشعار في حضور الإمام الخمیني (قدس) ".
مشاركاته الجهادية وإصابته الأولى
أمّا عن مشاركاته في العمليات فيوضح الجريح:" شاركت في عملياتٍ مختلفة في الجبهات منها عملية "فتح المبين" وبعدها عملية "إلی بيت المقدس" أو تحرير خرمشهر". ويتابع متحدثاً عن إصابته :" في هذه العملية أصابتني شظية بمؤخرة جمجمتي أثناء القتال، وسقطت هناك، وظن المقاتلون الآخرون أنني استشهدت، ووصل خبر استشهادي إلى طهران وأقامت عائلتي العزاء، لم أعرف ذلك لأنني كنت فاقدًا للوعي على الأرض وبعد عدة ساعات تم نقلي إلى الجزء الخلفي من صفوف المجاهدين ومن ثم إلى المستشفى المیداني".
ويتابع:"بعد أيام قليلة تم نقلي إلى مستشفى في طهران، وعندما كنت أتعافى نجحت عملية تحرير مدينة خرمشهر، ومن جهةٍ أخرى هاجم النظام الصهيوني لبنان. وتم إرسال مقاتلين من اللواء 27 محمد رسول الله الذي کنت عضواً فیه، بقيادة الحاج أحمد متوسليان إلى الزبداني في سوريا للدفاع عن المستضعفين في لبنان، وكنت حزينًا جدًا لعدم تمكني من مرافقة أصدقائي بسبب الإصابة وكنت مستلقيًا على سرير المستشفى. عندما سمعت بخبر اختطاف الحاج أحمد، أحسست وكأنه قد صب الماء البارد على جسدي، ولم أصدق أن قائدی الرشيد والعزیز قد اختطف أو قُتل في لبنان على يد جنود متحالفين مع إسرائيل". ويتابع:" بعد هذه الحادثة المؤلمة، عاد الشهيد إبراهيم همت من لبنان وسوريا، وحضر لزيارة الجنود في المستشفى. فطلبت منه إرسالي لمحاربة النظام الصهيوني المعتدي علی المسلمين والمحرومین، فطلب مني التوجه الی المعسکر وتسليم رسالته إلى الأخ همایون الذي سيساعدني، وعند خروجي من المستشفى ذهبت إليه مباشرةً، وأخبرته برغبتي ولكنه أخبرني "لقد عادت کثیر من القوات بأمر من الإمام الخميني(قدس)، ولم نعد نرسل المزيد، لكن يمكنك الذهاب إلى أهواز والالتحاق بلواء محمد رسول الله ".
الالتحاق بلواء محمد رسول لله (ص)
ويشير الجريح أنه بعد عودته من العلاج شارك في عدد من العمليات الجهادية في الجبهات المتقدمة منها عملية تسمى " مسلم بن عقیل"، والتي نفذت في منطقة سومار الواقعة غرب إيران. وهناك أًصبت للمرة الثانية، فبعد عدة أيام من القتال والصلاة بالتیمم علی التراب، تمكنا من الوضوء وخلع الحذاء العسكري. وعندما كنت أصلي الظهر في زاوية، وقع إنفجار بجواري، وأصبت بجروحٍ خطيرة في كلا الرجلين واليد اليسرى. في ذلك الوقت، أصيبت سيارة الإسعاف بثقب بسبب شظايا، فصديقي المقرب الشهيد "إیرج بور حيدر" سعی کثیراً لإحضار سيارة إسعاف أخرى من الكتيبة الجانبية وثم أرسلني إلى الخطوط الخلفية، خضعت لست عمليات جراحية ولكن لم تحرک ساقي، وأخیراً في يوم استشهاد الإمام الرضا (ع) ثامن أئمة الشيعة، وبفضل هذا الإمام الرؤوف، تكللت العملية السادسة بالنجاح وتمكنت من تحريك رجلي مرةً أخرى لكي أستمر في القتال بالجبهات لمرةٍ أخرى، وذلك فداءً للإسلام والثورة ومن أجل حب وأمر الإمام الخمیني (قدس)، ويتابع حديثه:" ازدادت تجاربي وعمري وكنت أقوم بتدريب المقاتلين الوافدين حديثًا إلى الجبهة، وفي إحدى الدورات التدريبية انفجر لغم كان معداً للتدريب على نزع الألغام، وأصبت في وجهي والحمد لله لم يكن الضرر شديدًا، واختفت التأثيرات تدريجياً". وكذلك شاركت:"في عملية "والفجر الأولى" كنت في کتیبة مدمرة لرفع الموانع وهدمها للمشاة، وكان قائد كتيبة الهدم زوج شقيقتي الذي توفي قبل أيام متأثراً بجروحه البالغة والمرض. ثم وقع انفجار عنيف أثناء فتح المعبر لقوات المشاة وأصبت مرة أخرى، واستشهد صديقي المقرب الشهيد "إيرج بورحيدر"، ولم يتم العثور على جثته ولا یزال مفقود الأثر، وبعد أسابيع من العلاج ، بناءً على الفريضة الشرعية شارکت مرةً أخرى في الجبهات والعمليات المختلفة، وكنت حاضرًا في الجبهات لمدة 64 شهرًا من ثماني سنوات من الدفاع المقدس وبالطبع كنت منخرطًا في تدريب القوات، وما زلت إلى الآن أخدم الإسلام في الزي المقدس للحرس الثوري".
ويختم الجريح بالقول:" أنّ هذه الجروح هي وسام التضحية لأجل قضية الإسلام والثورة الإسلامية، ولها قيمة كبيرة ولن أستبدلها بأي شيء في الدنیا، لكن قصتي الكبيرة هي أن أصدقائي الأعزاء والقادة العظماء استشهدوا وما زلت أسير قفص الدنيا، وأمنیتي إن شاء الله أن أختم حياتي بالاستشهاد مثل أصدقائي الشهداء دفاعاً عن الإسلام و تحریر القدس".
الجريح اللبناني بلال عقيل في حواره مع الوفاق تحدث لنا عن ذكرياته في سوريا وحادثة إصابته، فقال:
الجريح اللبناني عقيل : دفاعاً عن زينب (ع) توجهت إلى سوريا
يبدأ الجريح حديثه بالقول:" لقد ارتقى العديد من الشهداء في حربنا على التكفيريين في سوريا وكانت التضحيات عظيمة جداً، وكنت أرغب بالتوجه إلى هناك كثيراً ، ولقد شاركت في معارك سوريا سابقاً متطوعاً في صفوف التعبئة.
فعندما ذهبت زوجتي لزيارة الأربعين طلبت من ابنتي الصغيرة التي رافقتها والتي تبلغ خمس سنوات، بالدعاء لي أن لا تنتهي حرب سوريا وأنا لم أقدم فيها بعد أي شيء بما أن دعاء الطفل مستجاب واستجاب الله لدعاء ابنتي وجرحت بعدها بفترة
قريبة .
دفاعاً عن العقيلة (ع)
ويضيف الجريح موضحاً الدوافع التي جعلته يشارك في الحرب ضد التكفيريين قائلاً:" كان عدد الشهداء الذين يرتقون كبيراً، والأجواء التي كنا نعيشها بأنه لن تسبى زينب مرتين هذا من أبرز الدوافع التي دفعتني للتوجه لمحاربة هؤلاء التكفيريين والذود عن مقام السيدة زينب (ع ) وكنت عندما أرى معظم أصدقائي وقد توجهوا إلى الجبهة وأنا ما أزال في المنزل كنت أحزن كثيراً وأبكي لحالي وتخنقني العبرة لعدم مشاركتي لهم، وعندما وافقوا على ذهابي لسوريا توجهت إلى منطقة القلمون لكني طلبت منهم التوجه إلى حلب حيث تدور المعارك والقلمون منطقة آمنة ومحررة من التكفريين.لقد بقيت فيها خمسة أيام بانتظار التوجه إلى حلب، فما كان إلى أن أصبت في اليوم الخامس من وجودي هناك، وذلك بتاريخ ٢-٤- ٢٠١٧ وكانت مشاركتي الثانية في سوريا، وبالرغم من أن المنطقة التي توجهت إليها آمنة لكن عند وصولي إلى هناك دعت القيادة في الجبهة مجموعة من الإخوة النزول إلى منطقة متقدمة جداً مع العدو والتي تتطلب اليقظة المستمرة وكذلك الحذر من وجود مجموعة "قادش" وهي مجموعة كانت تقاتل إلى جانب داعش الإرهابية ولكنها انقلبت عليها وانضمت الى الجيش السوري فكان الشباب لا يأمنون جانب هذه المجموعة". ويتابع الجريح حديثه:" حاول المسؤولين اختيار مجموعة أخرى غير التي وصلت حديثاً من لبنان وكنت أنا من ضمنهم ، ولكننا رفضنا وتكاتفنا وأصررنا على النزول إلى هذه النقطة المتقدمة. وتعبنا كثيراً هناك حيث كنا في حالة استنفار دائم وكنا نقسم العمل على أنفسنا. وفي اليوم الخامس من وجودنا في تلك المنطقة قدم مسؤول المحور لزيارة المنطقة وعند مجيئه انقسم الشباب؛ قسم استمر بالمراقبة وقسم توجه مع مسؤول المحور للتناقش ببعض الأمور العسكرية في بعض الغرف. وبدأ القصف علينا الذي ممكن أن يكون خيانة من أحد أفراد مجموعة قادش بوجود مسؤول المحور هنا، وعند خروجنا لاستطلاع ما يجري، أصبنا بالقصف جميعاً وأصابت شظية رقبة مسؤول المحور فذبحته من الوريد إلى الوريد، وأصبت أنا في أنحاء جسدي، وما زاد الوضع سوءاً حدوث انفجار ضخم نجم عنه شظايا كثيرة أصابت إحداها، القنبلة الني كنت أحملها ما أدى الى انفجارها، فجلست متابعا لأصوات القصف وأطفأت الحريق الذي كان قد وصل إلى جسدي وتجمعت الدموع على عيوني فاعتقدت إنني لم أعد أبصر ورأيت قدمي قد قطعتا مع وجود نزيف شديد للدم، في هذه الحالة أحسست في لحظة انفصال الروح عن الجسد فشرعت أنادي يا زهراء و يا صاحب الزمان، فسرت الطمأنينة في نفسي بالاستغاثة بهم فأخذت أكرر النداء بصوتٍ عال أكثر وأكثر" .
ويوضح الجريح بأنه:"بعد مضي فترة من الوقت لمحت أحدهم متجهاً نحوي، فاعتقدت أن داعش قدمت لقطع رأسي فخفت، لكنه كان المسعف الحربي من المقاومة الذي طلب مني الهدوء والتروي ووعدني بالمساعدة، بالرغم من إصابتي البليغة كنت في كامل وعيي وأسمع كل شيىء، ونقلت الى المستشفى في سوريا مع الشهداء" .
وسام النصر والعزة
تلقت عائلته خبر إصابته بالصبر والفخر والاعتزاز وهو رابع جريح من العائلة، فلديه شقيق قد فقد في المعارك أصابعه وعندما سمعت بناته الصغار عن إصابته وفقاً لزوجته شرعوا بالبكاء وأخبروا والدتهم أن يد بابا ستصبح مثل يد عمنا وتأثروا بذلك كثيرا"، تضيف زوجته بأنها :" عندما رأيته لدى رجوعه إلى لبنان من المستشفى في سوريا لم أعرفه للوهلة الأولى بسبب جروحه والحروق التي غطت جسده وضعف بدنه الشديد وتعرفت عليه من صوته فقط وهو ينادي يا زهراء(ع) ويا صاحب الزمان (عج). وتتابع:"عندما تحدثت معه في المستشفى أخبرته عن بتر قدمه فقلت له لقد أصبح لك شفيع في الجنة فلقد سبقتك قدمك إلى هناك، فقال لي أعرف المهم أن يكون الله راضٍ عني وإني لم أقصر في عملي ولم أكن متخاذلاً، أذهب كلامه خوفي عليه في مسألة تقبل بتر قدمه، وارتفعت معنوياتي كثيراً وحمدت الله على نعمه التي لا تحصى".
صبر رغم الألام
تضيف زوجته :"كنت أشاهده وهو يتألم من جراجه أثناء العلاج لكني لم أخبره بمشاعري، وكنت أبكي بمفردي، ولا أظهر الحزن لأحد بل أحاول رفع معنويات بقية العائلة، بالرغم من خوفي الشديد من مضاعفات جراحه التي كانت تشكل خطراً على حياته والتي اضطر لإجراء عمليات خطيرة لعلاجها. والحمد لله ومن نعم الله تحسنت صحته بالرغم من كل الآلام التي ما زال يعاني منها، وبذله للمجهود الكبير في التأقلم مع الأطراف الصناعية" . يختم الجريح: "نحمد الله على ما جرى لنا رغم العناء والتعب فالذي يريد أن يكسب أخرته السير في ذات الطريق الذي سيشكل خلاصنا بتمهيدها لظهور صاحب العصر والزمان (عج) ، ونشكر الله بأن أكرمنا بهذا الوسام وهذه النعمة التي أنعم الله
به علينا".