|
ضرورة حضاریة لخلق الحوار
التعایش فی فکر السید موسى الصدر
انشغل الإمام السید موسى الصدر منذ بدایات مجیئه إلى لبنان بتعمیق وتمتین الحیاة المشترکة بین المجموعات اللبنانیة المختلفة، وتنمیة العلاقات المباشرة بین أفراد المجمتع اللبنانی المتنوع ثقافیاً ومذهبیاً، وتنشیط اللقاءات والزیارات، فی سبیل إنشاء أجواء تلاقی قادرة على استیعاب الأنظمة الطائفیة التی تشکل مانعاً عن الالتقاء والتواصل فی کثیرٍ من الأحیان.
کسر القوالب الذهنیة القدیمة
سعى السید موسى الصدر من تحرکه إلى تحریر المواطن اللبنانی من الخوف والقوالب الذهنیة النمطیة المفروضة علیه والتی تُناقض التعددیة الثقافیة والدینیة التی یتمتع ویتغنى بها لبنان، إذ یقول:" .... ولبنان الذی یلتقی فیه أبناء الدیانات ویعیشون إخوة مواطنین وتجتمع فیه ألوان من الثقافة والحضارة والتیارات الفکریة من الماضی والحاضر ومن الشرق والغرب یُعدّ ضرورة حضاریة لخلق الحوار بین أعضاء الجسد الإنسانی الکبیر، ویُعدّ ضرورة دینیة ترفع عن الأدیان تهمة التعصّب وتقسیم البشریة وتجزئتها، وضرورة ثقافیة یسهل علیه أن یکون لساناً وسمعاً للاستماع والمخاطبة بین الشرق والغرب وبین القارات. إنّ التفاعل بیننا یعالج کثیراً من مشاکلنا ومشاکلکم ویخدم الإنسان والسلام معاً".
توجهت رؤیة الصدر إلى جمیع مکونات المجتمع اللبنانی متجاوزةً ربما کل الرؤى التی طُرحت من قبل مفکرین لبنانیین، وهذا ما یُفسر اهتمام نخب ومرجعیات مسیحیة بالصدر ودعوته إلى مؤسساتها وأماکن عبادتها وبیوتها، ولقائه بالرؤساء الروحیین والشخصیات السیاسیة والفکریة ورحبت به باعتباره رائداً من رواد
الحوار الدینی.
الحوار الإسلامی المسیحی
ومن أبرز علامات التفاعل بین السید موسى الصدر والمواقع المسیحیة الدینیة افتتاحه محاضرات الصوم الکبیر فی 20 شباط من العام 1975، فی کاتدرائیة مار لویس للآباء الکبوشیین فی بیروت بمحاضرة عنوانها " القوى التی تسحق والقوى التی تُفرق"، والتی أثارت الإعجاب والاهتمام حیث علق رئیس الجمهوریة آنذاک شارل الحلو عنها بالقول:" یجتمع فی الکنیسة مؤمنون لسماع کلمة الله من مرجعٍ دینی غیر کاثولیکی، ویقابل ذلک لا بالإعجاب فحسب بل بالتأمّل الطویل"، وذلک حسب ما ورد فی کتاب مسیرة الإمام السید موسى الصدر.
نظر الصدر إلى العلاقات الإسلامیة المسیحیة من زاویة القیم الدینیة والإنسانیة المشترکة، فقد تضمنت خلاصاته للأدیان بُعداً اجتهادیاً تعزز نظریاً فی التشدید على التعایش وتکریس لاهوت التسامح وتقبل الآخر والاندماج معه مع الابتعاد عن تناقضات الهویات الدینیة الإلغائیة، وکان من أوائل الذین ساهموا فی إطلاق الحوار الإسلامی المسیحی، فکان مع رفاقه : المطران جورج خضر، الأب یواکیم مبارک، الشیخ صبحی الصالح، وحسن صعب وغیرهم أول من وقّعوا بیاناً فی 8 تموز 1965م، فی إطار المحاضرات التی نظمتها "الندوة اللبنانیة" عن المسیحیة والإسلام فی لبنان، حیث تم التأکید على تلاقی الدیانتین فی إیمانهما بالله الواحد، وبقیامهم معاً على تعزیز قیم روحیة ومبادئ خُلُقیة مشترکة تصون کرامة الإنسان، وتُعلن حقه فی الحیاة الفضلى، وتنهض بالأرض وما علیها فی محبة وسلام ووئام .
کان الصدر دائم الحرص على بناء الجسور وعبورها، بعکس کثیر ممن یبنون جسوراً لیعبر علیها غیرهم، وهذا ما یُفسر تعلق أبناء الطوائف کافة بالإمام الصدر، وقد منعت هذه الجسور الإمام من کثیر من الانزلاق وقع به غیره.
مواجهة المشاکل المشترکة سویاً
حرص الصدر على تبیان عمومیة التحدیات المواجهة للشعب اللبنانی، وعلى أنها لا تخص المسلمین وحدهم، بل تواجه المسلمین والمسیحیین معاً، وأن المشاکل القائمة متشابهة ومن الطبیعی أن یکون هناک تعاون وتکامل بین المسلمین والمسیحیین لحلها، فمشاکل الفقر والتعلیم والاستغلال والاستبداد السیاسی والمرأة والعنف وغیرها من التحدیات القاسیة التی یجب على القیادات الروحیة الإسلامیة والمسیحیة أن یتعاضدا ویعملا معاً لمواجهتها فی سبیل تحقیق التوازن والعدالة والسلام فی العالم.
ومن أجل هذا، یرفع السید موسى الصدر من مستوى اهتمامه لقضیة التعایش إلى مرتبة الرهانات الدینیة والسیاسیة، بل الإنسانیة العالمیة، التی تتطلّب حمایة وحضانة واسعة للوصول إلى حالة عالمیة من السلام والاستقرار، فهو یخاطب الغرب قائلاً:" الغرب الحضارة لا الاستعمار، مدینٌ للبنان حتى الیوم، فالتعایش ثروة لهم أیضاً، وتصدعُه یُصدع التعایش فی أفریقیا ثم فی العالم کله". إذاً ، التعایش قیمة عالمیة مقدسة لها تأثیرُ کبیر على الأوضاع الدینیة والاجتماعیة فی العالم، وعلى حرکة الوعی والتقدم، بید أن ّ التحدی الأکبر یکمن فی التجربة اللبنانیة التی تلاقی متاعب کثیرة وتتحمل المزید من الضربات المؤلمة، لذلک دعا الصدر اللبنانیین على الاتعاظ من تجربة الحرب والتطلع إلى المستقبل مع التمسک بالثوابت والأولویات التی لا یمکن أن تُمسّ، وعلى اللبنانیین عبر الحوار أن یختاروا صیغة تحفظ هذه الأولویات وهی:
1 – وحدة لبنان وهی میزة وجوده ، والرسالة اللبنانیة هی فی التعایش .
2 – الحریة فی لبنان ضرورة ، لأنه فقط بالحریة یمکن بقاء مجموعات حضاریة تتعایش فی وطن
واحد.
3 – احترام حقوق المواطنین أی: العدالة التامة ، العدالة السیاسیة، والاجتماعیة ، والاقتصادیة والعدالة فی التنمیة (الإنماء المتوازن).
ختاماً بالنسبة للصدر، یرتکز التعایش الإسلامی المسیحی على الدین بصفته جامعاً مشترکاً، فعند الإمام الصدر الإسلام کسائر الأدیان الأخرى، یتمسک کأساس بکل تعالیمه، بالإیمان بالله الواحد، خالق الکون والبشر، ویشدد على أن أفضل طریقة لضمان رضى الله هی فی خدمة الإنسان بصرف النظر عن انتمائه العرقی واعتقاده الدینی، لأن الدین بالمفهوم الصحیح لا یعزل أبناءه عن الآخرین، إنّ تعالیم الدین تمنع بوضوح أی تفرقة بین عباد الله وخدمة الإنسان وتحرّم أذیته أو ما یمس کرامته.
لکن من یضمن أن لا تتحول الفوارق بین الألوان والمجموعات المختلفة إلى حدود حیث تنصّب الجدر فیما بینها ، ویحل الصراع بدل التعاون والعداوة بدل المحبة، عن هذا السؤال یجیب السد موسى الصدر ویؤکد فی کثیر من المواضع والمناسبات عن الفرق بین الدین والتدین، بما هو التزام حقیقی بالتعالیم الدینیة الصحیحة ، یختلف تمام الاختلاف عن الطائفیة التی یصفها بالسلبیة، وهی تؤدی بشکلٍ أو بآخر إلى الانعزال عن المجتمع ، بل إنها تقسمه إلى أجزاء صغیرة یمکن أن تنشأ بینها جدر متباعدة، وهذا مرفوض من قبل الدین الصحیح الذی یحتوی على تعالیم مفصلة بالنسبة للتصرف مع أبناء الطوائف الأخرى، وباختصار شدید، حرص الإمام الصدر أشد الحرص على تبیان الفرق بین الطائفیة والتدین، هذا الإصرار على التشبث بالتعایش بین اللبنانیین والتأکید على مسألة الحریة فی لبنان کشرطٍ أساسی لبقاء صیغة التعایش.
جاهد من أجل المحرومین والمستضعفین
إنّ الصدر هو رجلُ حوارٍ بامتیاز، والحوار یبدأ بالإصغاء ، وهذا ما میزه عن غیره، فالسید الصدر کان من کبار الأئمة المجددین الذین انخرطوا فی العمل من أجل الإنسان وخیره، ومن أجل إعمار الأرض .. لذلک فقد جاهد من أجل المحرومین والمستضعفین ..
الهجرة العاملیة إلى ایران فی العصر الصفوی
الوفاق - خاص/ فی هذا الکتاب دراسة للهجرة العاملیة إلى إیران فی العصر الصفوی، أسبابها التاریخیة ونتائجها الثقافیة والسیاسیة، وهو یدور حول مسألتین أساسیتین حملهما إسمه على الغلاف، الأولى هی الخصوصیة الفکریة للمراکز العلمیة التی کانت قائمة فی "جبل عامل" والمناطق المجاورة له من " سهل البقاع". ویمکن أن نقول المشروع السیاسی الذی أنجزته تلک المراکز العلمیة، وتمثّله فقهاؤها، ثم حملوه معهم مهاجرین، والثانیة هی الأرضیة الإیرانیة التی تفاعلت مع الأفکار أو المشروع الذی حمله معهم المهاجرون، بکل عناصرها الثقافیّة والسیاسیة
والاجتماعیة.
وبالعودة لمضمون الدراسة نجد أنها قد جاءت محتویة على أربعة أبواب، تناول الباب الأول الإطار التاریخی للفترة التی یتحّرک فیها البحث، ورکز على السمات التی هیّأت لأحداثه وأدوار أبطاله، وتتبع خطّین تاریخیین التقیا عند الهجرة، هما: نمو وتصاعد الحرکة الصفویة، الصوفیة الشیعیة، من طریقة صوفیة إلى دولة، وحّدت "إیران" بعد طول تمزّق، وبدأت وضعها على طریق التشیّع الإمامی، والدّافع المحرّک للأحداث المتّجهة إلى إنهاء ما بقی من الدولة البیزنطیّة. وهو دافع یتصل بروح الغزاة الأوّلین الذین خرجوا لینشروا الإسلام، بحیث ظلّ فتح " القسطنطینیة" حلماً تتوارثه الأجیال، وعندما تحقّق الحلم العتید على ید الأمراء العثمانیین فی " آسیا الصغرى" بدوا أمام العالم الإسلامی وکأنّهم یمثّلون کل مجید وبّراق فی تاریخهم. هذا ما أهّلهم لوراثة منصب الخلافة العریق، مع کل ما یحیط به ویناسبه. أمّا الباب الثانی فحدد معالم النهضة الشیعیّة التی انطلقت فی جبل عامل من خلال تتبع إطاراتها فی التاریخ، ودراسة بطلها الشهید الأول " محمد بن مکّی الجزینی"، واستخراج وجهها السیاسی، کحرکة تطلعت إلى لم شعث الشیعة فی المنطقة، بعد أن شتتهم الممالیک.
وتحدث الباب الثالث عن الوجه الشیعی لإیران، إذ حاول الکاتب الشیخ جعفر المهاجر رسم صورة "إیران" قبل دخول المهاجرین، إذ أن کل التفاعلات التی حصلت فیما بعد بین المهاجرین وبیئتهم الجدیدة، إنما حدثت کتأثیر لوجودهم کعاملین على نشر التشیّع کما عرفوه فی بلادهم، ولن یمکن تصور حقیقة التغییر الذی تم على یدهم، ما لم نکن على درایة کافیة بمسرح نشاطهم قبل أن
یدخلوه.
أمّا الباب الرابع والأخیر فخُصص للتعریف بالمهاجرین وأدوارهم، بدءاً بأولهم وأبعدهم أثراً، "علی عبد العالی الکرکی"، وانتهاءً بأشهرهم "بهاء الدین العاملی"، کما ودرس هذا الباب المیادین التی کان للمهاجرین أثرٌ بارزٌ فیها والتی هی الترجمة والتألیف. إذاً یعرّفنا الکاتب هنا بالأبطال وأدوارهم ، ویضیء على التفاعلات العمیقة ، بین الأرضیّة المحلیّة، والأفکار التی حملها المهاجرون والمتأثّرون بهم فی سیاق تنفیذ تلک الأفکار.
طونی أبی غانم.. حکایة عشق
الوفاق - خاص/ وُلد الشهید طونی خلیل أبی غانم فی 9/5/1965، فی منطقة الشویفات، وعاش مع أشقائه الخمسة فی کنف والدیه، نشأ وترعرع فی أوساط عائلة مسیحیة. مع اندلاع الحرب الأهلیة انتقلت عائلته إلى محلَّة حی السلم والتی اتسمت بالفقر والحرمان، وهناک ترعرع الشهید، وتأثر برفاقه وجیران، تمیّز الشهید بذکائه فی المراحل الدراسیة، وکان ذا أخلاق عالیة، طیِّب المعشر، یحب خدمة الناس، لدیه روح مرحة وبشوش الوجه.
تعایشه مع المسلمین
انتسب الشهید إلى کشافة الرسالة الاسلامیة، مما جعله یتعایش مع المسلمین عموماً، والشیعة خصوصاً، وقد کانت تلک الفترة من أحرج الفترات التی مرّت بها لبنان، حیث الحروب الأهلیة والتهدید الصهیونی وانهیار البنى التحتیة للبلد، فقد شاهد اندفاع الشباب المؤمن وتفانیهم فی العمل، فأحبهم واندمج معهم حتى أصبح واحداً منهم ـ
نقطة التحول
وهکذا أصبح طونی خلیل یتردد معهم الى المسجد والحسینیة القریبین من محل تواجدهم وأخذ یتعرف على الدین الإسلامی وخصوصیات المذاهب، وبالذات المذهب الجعفری، حتى اقتنع اقتناعاً کاملاً فأسلم وتشیّع، وسمى نفسه (حیدر) حباً بأمیر المؤمنین علی بن أبی طالب (ع)، ورغم المضایقات والمصاعب التی واجهها من قبل ذویه، فقد ثبت وصمد. وقد کان دائم الحضور فی المسجد لأداء صلاة الجماعة. ویُنقل شهود عیان أنهم طالما رأوه قبل صلاة الفجر فی المسجد وهو یؤدی صلاة اللیل، کما کان یحرص على الحضور فی الحسینیة فی جمیع المناسبات، وبالأخص مراسم عاشواء.
مشارکاته الجهادیة
بدأ الشهید عمله الجهادی عند بدء الاجتیاح الصهیونی عام 1982، فشارک فی التصدی لمواجهة الاجتیاح وکان فی خضم المعارک العنیفة، کما تصدى مع المجاهدین لغزو الأطلسی لبیروت والضاحیة، اعتُقِل عام 1984م من قبل العدو الصهیونی فی جنوب لبنان، واُطلق سراحه بعد سنة ونصف من اعتقاله، وقد أمضاها فی سجون فلسطین المحتلة، کما شارک فی الکثیر من العملیات الجهادیة أظهر خلالها شجاعة وکفاءة عالیتین. کان آخرها مشارکته فی عملیة القنطرة البطولیة ضد العدو الصهیونی، حیث قام مع مجموعة من المجاهدین بإعداد کمینٍ على طریق القنطرة – الطیبة ضد جنود العدو، ولدى وصول الدوریة المؤلفة من خمسة عناصر؛ هاجمها المجاهدون، واشتبکوا معها مدة نصف ساعة، أسفرت المواجهات عن إصابة جمیع عناصر الدوریة بین قتیلٍ وجریح. وعند انسحاب الشهید إلى منطقة وادی السلوقی، تعرّض لإصابة فی رأسه جرّاء قیام العدو بتمشیط المنطقة، ما أدّى إلى استشهاده على الفور. وقد تعذّر على المجاهدین سحب جثمانه لکثافة النیران، فقام جنود العدو بأسره، وقد أُفرج عنه لاحقاً فی عملیة التبادل التی حصلت عام 1996، ووری جثمانه الطاهر الثرى فی روضة حی السلم بتاریخ 26/7/1996.
|
|
تعليقات القراء:
تعليقات القراء:
تعليقات القراء:
|