مجزرة صبرا وشاتیلا....کی لا ننسى
عبیر شمص
فی صباح السابع عشر من سبتمبر عام 1982م استیقظ لاجئو مخیمی صبرا وشاتیلا على واحدة من أکثر الفصول الدمویة فی تاریخ الشعب الفلسطینی الصامد، بل من أبشع ما کتب تاریخ العالم بأسره فی حق الإنسانیة.
فی تلک المذبحة تحالف الصهاینة مع میلیشیا "الکتائب اللبنانیة" لیسطروا بالدم صفحة من صفحات الظلم والبطش ضد الفلسطینیین، صدر قرار تلک المذبحة برئاسة رافایل إیتان رئیس أرکان الحرب الإسرائیلی وآرییل شارون وزیر الدفاع آنذاک فی حکومة مناحیم بیجن.
وصف المجزرة
بین یومی 16 و18 أیلول/سبتمبر 1982 ارتکبت ملیشیا الکتائب اللبنانیة وقوات الاحتلال الإسرائیلی مجزرة مخیمی صبرا وشاتیلا، وهما من ضمن المخیمات الفلسطینیة الـ12 المتواجدة على الأراضی اللبنانیة، حصلت المجزرة خلال 62 ساعة فقط، وسط صمت عربی ودولی، وعلى مشاهد موثقة لجثث مذبوحة بلا رؤوس، ورؤوس بلا أعین، وأخرى مهشّمة، وکانت المذبحة قد بدأت فی الساعة الخامسة من مساء السادس عشر من سبتمبر حیث دخلت ثلاث فرق إلى المخیم کل منها یتکون من خمسین شخصا من المجرمین والسفاحین، وأطبقت تلک الفرق على سکان المخیم وأخذوا یقتلون المدنیین قتلاً بلا هوادة، أطفالٌ فی سن الثالثة والرابعة وُجدوا غرقى فی دمائهم ، حواملُ بُقِرَت بُطونهنّ ونساءٌ تمَّ اغتصابهنَّ قبل قتلِهِنّ، رجالٌ وشیوخٌ ذُبحوا وقُتلوا، وکل من حاول الهرب کان القتل مصیره، لقد نشروا الرعب فی ربوع المخیم وترکوا ذکرى سوداء مأساویة وألماً لا یمحوه مرور الأیام فی نفوس من نجا من أبناء المخیمین .
فی الثامن عشر من أیلول / سبتمبر، وبعد نحو أربعین ساعة من القتل المستمر، ظهرت على شاشات التلفزة أولى صور المجزرة البشعة التی تظهر جثث الضحایا متکومة بین أزقة بیوتهم، ما أثار سخط العالم وألمه.
وقد توزعت نسب الضحایا تقدیریا" على الجنسیات التالیة : 75% فلسطینیون، 20% لبنانیون، 5% من جنسیات أخرى (سوریون، وإیرانیون، وبنغال، وأتراک، وکرد، ومصریون، وجزائریون، وباکستانیون)، وآخرون لم تحدد جنسیاتهم.
اختلفت الآراء فی تحدید أعداد الضحایا ویرجع سبب ذلک إلى دفن عدد منهم فی قبور جماعیة سواء من قبل القتلة أو من الصلیب الأحمر أو الأهالی، کما أن هناک عددًا کبیرًا من الجثث دفنت تحت رکام البیوت المهدمة، إضافة إلى مئات الأشخاص الذین اختطفوا واقتیدوا إلى أماکن مجهولة ولم یعودوا أو یُعرف مصیرهم.
أسباب المجزرة
استغلت إسرائیل محاولة اغتیال سفیرها فی إنجلترا شلومو آرغوف، لتبدأ قصفا مرکزا استهدف مواقع تابعة لمنظمة التحریر الفلسطینیة فی لبنان صیف عام 1982، تبعه اجتیاح بری ضخم یوم السادس من یونیو/حزیران.
حوصرت بیروت الغربیة بالکامل، ودارت اشتباکات بریة استمرت نحو شهرین بین القوات المشترکة التی ضمّت فدائیین من منظمة التحریر ومقاتلین من القوى الوطنیة اللبنانیة وکتیبة سوریة من جهة، والقوات الإسرائیلیة التی قصفت العاصمة وارتکبت مجازر بحق المحاصرین وقطعت عنهم الماء والکهرباء من جهة أخرى.
انتهى الأمر باتفاق یقضی بخروج المقاومة الفلسطینیة من لبنان، وتشتیت مقاتلیها فی عدد من الدول العربیة، عقب الحصول على ضمانات أمیرکیة بحمایة المخیمات بعد إرسالها قوات حفظ سلام انسحبت بسرعة فیما بعد.
انتخب مجلس النواب اللبنانی رئیساً لبنانیاً جدیداً فی أعقاب إخلاء منظمة التحریر الفلسطینیة، وهو زعیم الکتائب بشیر الجمیل فی 23 آب/ أغسطس. وقبل تنصیبه رئیسا للبنان قتل بشیر الجمیل ومعه 20 من قوات الکتائب فی عملیة اغتیال بتاریخ 14 من أیلول / سبتمبر، بعبوة ناسفة زنة 200 کغم من مادة TNT المتفجرة، وأعطى هذا الاغتیال السیاسی للحکومة الإسرائیلیة فرصة لإدانة الفلسطینیین، وحجة لدخول بیروت الغربیة، وتنفیذ مجزرة صبرا وشاتیلا.
وبدأت مقدمات المجزرة یومیْ 13 و14 من سبتمبر/أیلول 1982 عندما تقدمت القوات الإسرائیلیة المحمیة بغطاء جوی کثیف إلى داخل العاصمة بیروت بعد أن غادرها مقاتلو منظمة التحریر الفلسطینیة، ونشرت عشرات الدبابات على أطراف مخیم صبرا وشاتیلا فأحکمت حصارها على المخیم، وذلک إثر اغتیال الرئیس اللبنانی المنتخب بشیر الجمیل یوم 14 سبتمبر/أیلول 1982.
غیاب العقاب
ورغم بشاعة المجزرة، فإن المجتمع الدولی لم یقدم الجناة وقادتهم إلى أی محکمة، ولم یعاقب أیا منهم على ما ارتکبه، واقتصر الأمر على لجان تحقیق خلصت إلى نتائج لم تلحقها متابعات قانونیة.
إذ شکلت إسرائیل عام 1982 لجنة تحقیق قضائیة للتحری فی ظروف المجزرة والمسؤولین عنها، وهی لجنة مستقلة ضمت 3 أعضاء عرفت بـ"لجنة کاهان".
لقد ألقت اسرائیل على لسان حکامها کافة، وعلى لسان لجنة التحقیق القضائیة المسؤولیة على میلیشیات الکتائب،و أن المسؤول المباشر عن مجزرة صبرا وشاتیلا هو اللبنانی إیلی حبیقة (مسؤول ملیشیات حزب الکتائب آنذاک)، بینما اعترفت بمسؤولیة محددة لها وهی عدم تقدیر عدد محدد من المسؤولین للوضع، وبالتالی قصورهم عن وقف المجزرة فی الوقت المناسب لیس إلا، مع تأکیدها على مسؤولیة وزیر الدفاع آنذاک أرییل شارون وعددا من الضباط الکبار فی الجیش الإسرائیلی مسؤولیة غیر مباشرة عن هذه المذابح.
ختاما" لم تکن مجزرة صبرا وشاتیلا أولى مجازر الاحتلال بحق الفلسطینیین ولا الأخیرة، فقد سبقتها مجازر دیر یاسین وقبیه وغیرها، ومجازر منسیة أخرى فی غزة والضفة الغربیة، لکن بشاعة مجزرة صبرا وشاتیلا وطبیعة ظروفها جعلتاها علامة فارقة فی الضمیر الجمعی الفلسطینی.
کما أنها لن تکون الجریمة الصهیونیة الأخیرة بحق الأبریاء من أبناء الشعب الفلسطینی، فمسلسل المجازر الیومیة لم ینته، ولن یتوانى هذا الکیان المؤقت عن ارتکاب مزید من المجازر بحق الشعب الفلسطینی الذی لن تجبره هذه المجازر،مهما کان حجمها وبشاعتها، على التخلی عن قضیتهم، بل على العکس؛ هی تجعلهم یتشبثون بهذه القضیة حتى تتحرر بلادهم من الاحتلال عبر المقاومة، وتعود الأرض التی قدموا وبذلوا من أجل تحریرها آلاف الضحایا والشهداء على مدار السنین.