|
حشود «الناتو» فی شرق أوروبا
یبدو إعلان الأمین العام لـ"حلف شمال الأطلسی ـ الناتو"، "ینس ستولتنبرغ" وبحضور وزیر الخارجیة الأمیرکی "أنتونی بلینکین" فی بروکسل أمس الجمعة، أنّ "الناتو" یعمل على تعزیز وجوده فی الجبهة الشرقیة لأوروبا، وعلى وضع مئات الآلاف من القوات فی حال تأهب قصوى، مدعومین بقوات جویة وبحریة کبیرة، یبدو فی الظاهر وکأنه من ضمن استراتیجیة المواجهة التی تقودها واشنطن مع "الناتو"، لمواجهة العملیة الروسیة فی اوکرانیا، ولما قد یرتبط بها أو ما قد یتفرع عنها من عملیات روسیة فی بعض دول أوروبا الشرقیة، والتی تشکل رأس حربة هذه المواجهة، کبولندا مثلا أو کدول البلطیق الثلاث (لاتفیاـ استونیا ـ لایتوانیا)، ولکن فی الواقع، من غیر المستبعد ان یکون لهذا الانتشار دور آخر، مختلف بالکامل عن تعزیز تلک الجبهة الاوروبیة لمواجهة روسیا. فما هو هذا الدور المختلف؟ ولماذا هذا الانتشار المفاجىء؟ وکیف یمکن مقاربة هذه التساؤلات من ضمن متابعة الکثیر من التفاصیل التی یجب الاضاءة علیها، والتی یمکن تحدیدها بالتالی: عملیا، من الواضح أن الأطراف الرئیسة فی هذه الحرب مقتنعة بأن لا مواجهة مباشرة بین "الناتو" وبین الروس، ومؤشرات هذا الأمر کثیرة، فهی تأتی فی تصریحات الطرفین، وفی حیثیات التدخل الروسی فی دول "الناتو" وقیودها التی تفهمها موسکو جیدًا، وخاصة المادة الخامسة من بروتوکول الحلف، وتأتی أیضًا من طریقة إدارة واشنطن الحذرة والحساسة لعملیة تسلیم السلاح لأوکرانیا، لناحیة تشددها فی عدم استهداف الأراضی الروسیة بتاتا، حتى فی منع تسلیمها أسلحة یصل مداها إلى أبعد من مناطق التواجد الروسی فی "الدونباس" أو فی "خیرسون"، بالرغم من حاجة الوحدات الأوکرانیة لهذه الأسلحة وخاصة فی المواجهات التی تشتد فی زابوروجیا وفی "میکولایف" وفی "خیرسون". من جهة أخرى، أن تنتشر هذه الوحدات الأطلسیة الیوم فی دول أوروبا الشرقیة، وبعدد کبیر یصل إلى مئات آلالاف، فهذا یعنی عملیًا أنها سوف تتوزع على عدة دول وعلى مناطق مختلفة داخل هذه الدول، وذلک لاسباب تتعلق بأمنها وبحیطتها، وبامکانیة تدخلها فی عدة اتجاهات، وهی عملیًا أیضًا لن تشارک الوحدات الأوکرانیة فی معرکتها بمواجهة الروس، لأن ذلک أیضًا مستبعد تمامًا کما استبعدنا تدخل الروس عسکریًا فی دول "الناتو" الحدودیة مع روسیا ومع أوکرانیا، وهذا الأمر (التدخل ضد الروس مباشرة) حتى ولو حصل، لن یخلق ای تغییر فی المعادلة العسکریة التی فرضتها وحدات موسکو حتى الآن، لأن المدافعة ضد الوحدات الروسیة إذا حصلت، لن تکون الا عبر القدرات العسکریة ذات المستوى الأرفع، والتی هی موجودة حالیا، نتکلم هنا عن القدرات الجویة والبحریة لـ"الناتو"، والمنتشرة منذ ما قبل الحرب فی أوکرانیا، وبمستوى مرتفع من الفعالیة، وهذا الأمر ربما کان من الأسباب الرئیسة للعملیة الروسیة الاستباقیة فی أوکرانیا.
أن یزور "بلینکن" ومن موقعه کوزیر خارجیة امیرکا الاتحاد الأوروبی، ویجتمع مع مسؤولیه فی بروکسل، فهذا امر عادی وطبیعی، ویمثل زیارة دیبلوماسیة لوزیر خارجیة دولة کبرى إلى ممثلیة الاتحاد الأوروبی، ولکن ان یزور "بلینکن" ومن موقعه کوزیر خارجیة امیرکا مرکز "الناتو" بما هو "حلف شمال الأطلسی"، والمُشکّل من دول أوروبیة ومن ترکیا ومن الولایات المتحدة الأمریکیة، فهذا أمر مستغرب وغیر طبیعی، والسبب ان الولایات المتحدة الأمریکیة عضو أساسی فی الحلف المذکور، مثلها مثل ألمانیا أو فرنسا أو غیرهما من دول أوروبیة، ولیس طبیعیًا أن یزور وزیر خارجیة دولة، حلفا من عدة دول، دولته منخرطة فی هذا الحلف، کأن یزور وزیر خارجیة المانیا او فرنسا مثلا "الناتو"، فهو امر غیر منطقی من الناحیة الدیبلوماسیة، وربما، کان سیکون مفهوما اکثر مثلا، لو زار وزیر الدفاع الامیرکی "الناتو"، للتنسیق او للمشارکة فی إدارة الدعم العسکری لأوکرانیا، او لتنسیق انتشار او تجهیز جیوش دول "الناتو".
من هنا، یمکن أن نستنتج ان الاعلان عن نشر هذه الوحدات من قبل الامین العام لـ"الناتو"، بحضور بلینکن، هو بهدف سیاسی داخلی فی دول أوروبا الشرقیة المنخرطة فی "الناتو"، وهو یدخل کإملاء سیاسی امیرکی، نقله "بلینکن"، لاتخاذ هذه الدول اجراءات استباقیة لمواجهة ایة مظاهرات او اعتصامات ممکنة او محتملة من شعوب هذه الدول تعبیرا عن رفضها الحرب. فهل أحس الأمیرکیون بأن المزاج الشعبی الأوروبی، وخاصة فی شرق أوروبا، بدأ یتحرک للضغط نحو وقف الحرب ولاجراء تسویة مع الروس، وذلک بعد تأکدها من فشل حکومات الیورو فی إقناع شعوبها بأنها قادرة على حمایتها من البرد فی الشتاء؟
من هنا، وحیث لدى الامیرکیین خبرة واسعة فی قدرة "الحرب الناعمة" فیما لو توسعت داخل دولة أو أکثر، فی التأثیر على حکوماتها او على سیاسات حکوماتها، خاصة لو کانت هذه المظاهرات على خلفیة محقة، فی خوف شعوب الدول الأوروبیة من عدة هواجس حقیقیة، بینها التضخم وغلاء أسعار الحاجات الأساسیة، إلى أصعبها وهو الموت من البرد شتاءً، بعد انقطاع أو نقصان ما تحتاجه من الطاقة والغاز لدیها.
یظهر الخوف الحقیقی الأمیرکی کما یبدو، والذی هو من النخب الشعبیة الأوروبیة، ذات النزعة السوفیاتیة والتی لا ترید أن تموت بردا، لان واشنطن ترید ان تکسر موسکو فی أوکرانیا وفی شرق أوروبا وفی العالم، لذلک من المنطقی الاستنتاج ان القرار الاطلسی بنشر هذه الوحدات وبهذا العدد الضخم، وعلى عدد غیر بسیط من دول شرق أوروبا، جاء لتطویق ومواجهة فورة أو ثورة شعبیة مرتقبة، فی أکثر من دولة أوروبیة شرقیة، على خلفیة الحرب فی أوکرانیا وتداعیاتها على شعوب هذه الدول .
کیف یقوم الصهاینة بتهوید المسجد الاقصى؟
منذ المؤتمر الصهیونی الأول فی بال عام 1897 و "الأصولیة الصهیونیة" تدعو فی دعایتها السیاسیة یهود الأعراق المختلفة، إلى توجیه عاطفتهم الدینیة نحو المکان المقدس – أو قدس الأقداس – کما تزعم أی نحو "الهیکل"، ولقد تطورت هذه الدعایة منذ أن انتزعت هذه الأصولیة المتطرفة "وعد بلفور"، وانتقلت حملتها الدعائیة، إلى الترکیز على ضرورة تغییر الوضع القانونی للأماکن المقدسة، وخصوصاً "المسجد الأقصى". بدایة، أثبتت الحقائق التاریخیة، نوایا "الأصولیة الصهیونیة" الحاقدة والعدوانیة ضد المقدسات الدینیة فی مدینة القدس العتیقة، وآخرها منع وصول العرب الفلسطینیین إلى المسجد الأقصى مراراً وتکراراً، والاقتحامات المتکررة لباحات المسجد الأقصى، ومحاولة منع المصلین من دخول کنیسة القیامة، وذلک بعد اکتمال بناء جدار الفصل والضم العنصری تمهیداً وتسهیلاً لهدم المسجد الأقصى فیما بعد. لکن الحقیقة التاریخیة لوضع القدس ومبانیها المقدسة تبقى لا تتغیر... وخاصة بالنسبة للمسجد الأقصى، وما تحاول "الأصولیة السیاسیة الصهیونیة" تزییفه حول تاریخ حائط المبکى، هو باطل بالاستناد إلى الحقائق التی تثبتها المراجع التاریخیة والتی أخذت بها المنظمات الدولیة فی معالجتها لهذه القضیة فی مراحلها المختلفة، فحائط المبکى، أو الجدار الغربی للحرم الشریف، ویسمى کذلک لأن الیهود اعتادوا زیارته وتأدیة الطقوس الدینیة حوله، والممیزة بالبکاء على مجدهم الغابر وهیکلهم المزعوم الضائع، والذی کان "النبی سلیمان"(ع) قد بناه فی عهده الذی امتد ما بین 972-933 (ق.م) ثم هدم على أیدی الامبراطور الآشوری "نبوخذ نصر" عام 587 (ق.م). أما جذور "المسجد الأقصى" فتشیر المصادر التاریخیة أنه مع وصول الاسلام إلى بلاد الشام – وفیها القدس – رفض النصارى تسلیم مفاتیح القدس إلا للخلیفة "عمر بن الخطاب" وعندما حضر، سأل الخلیفة عن مکان الصخرة الذی علاه التراب والزبل فکشف عنها وبنى علیها مسجداً.
وفی الربع الأول من القرن العشرین، وبعد العام 1919 أهمل المسجد وحدثت عدة زلازل أثرت على عمارته، فجاء ترمیمه من قبل المجلس الإسلامی الأعلى فی القدس. لکنه تعرض لزلزال آخر فأعاد المجلس الإسلامی ترمیمه وانتهى العمل عام 1943.
فی نهایة الحرب العالمیة الأولى، وفی العام 1920 طالب الحاخام الأکبر "ابراهام اسحق لوک" ومجلس الربانیین الیهود فی فلسطین والحاخام الأکبر فی رومانیا "إبرهیم روزنباخ" بتسلیم "المسجد الأقصى" للیهود.
وفی عام 1929 أعلن ما یسمى بـ "الزعیم" الصهیونی "کلوزنز" وهو رئیس "جمعیة الدفاع عن الحائط المبکى"، أعلن فی تصریح نشرته جریدة "بالستاین ویکلی" الیهودیة أن "المسجد الأقصى" القائم على قدس الأقداس فی الهیکل هو للیهود".
وفی 20 آب/أغسطس 1929 حاول الیهود تغییر الأوضاع الراهنة عند حائط البراق والاعتداء على المسجد واحتلال جزء منه مما ولد الغضب الشعبی العربی الفلسطینی فانطلقت فی الیوم التالی، تظاهرة کبرى ضد المعتدین، وما لبثت الاضطرابات أن عمّت مدن فلسطین والتهبت الأحداث التی عُرفت ب "ثورة البراق" التی عمّت الخلیل وصفد ویافا والقسم الغربی من مدینة حیفا. انتهت الانتفاضة بإرسال بریطانیا لجنة دولیة وضعت ما یُسمى بنظام "الوضع القائم" الذی نص بعض فقراته على ما یلی: -تعود للمسلمین وحدهم ملکیة الحائط الغربی، أی حائط المبکى، ولهم وحدهم الحق العینی فیه لکونه یؤلف جزءاً لا یتجزأ من ساحة الرحم القدسی الشریف.
-تعود للمسلمین أیضاً ملکیة الرصیف الکائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة ب "باب المغاربة" المقابلة للحائط لکونه موقوفاً حسب أحکام الشرع الإسلامی لجهات البر والخیر.
-لا یجوز اعتبار أدوات العبادة التی یحق للیهود وضعها بالقرب من الحائط، أمراً من شأنه ترتیب أی حق للیهود فی الحائط أو الرصیف المجاور له. واستمر نظام "الوضع القائم" أعلاه، ساریاً حتى نشوب الحرب العربیة الصهیونیة عام 1967 واستیلاء الکیان المؤقت على القدس. حیث راحت جماعات یهودیة صهیونیة تعمل على انتهاک المقدسات الدینیة للمسلمین، وتسعى بحجة التنقیب عن الآثار إلى هدم "المسجد الأقصى".
فی العام 1930 کتب "ألفرد موند" أحد زعماء الصهاینة: "أن الیوم الذی سیعاد فیه بناء الهیکل أصبح قریباً جداً"، وأضاف: "إننی سأکّرس ما بقی من حیاتی لبناء هیکل سلیمان مکان المسجد الأقصى". فی معارک العام 1948 حاولت عصابات "الهاغاناه" اقتحام سور القدس القدیم والوصول إلى "المسجد الأقصى" لکن قوات المقاومة الفلسطینیة صدّت هذه العصابات وردتها على أعقابها.
وفی عام 1967 قامت سلطات الکیان المؤقت بعد احتلال الجزء الشرقی من القدس بمصادرة مفاتیح باب المغاربة، ولم تعدها. وفی 13 حزیران/یونیو 1967 حاولت قوات الکیان المؤقت هدم الحرم القدسی، و "حی المغاربة" القائم أمام حائط البراق، کما بدأت فرق التخریب الصهیونیة فی التنقیب عن الآثار فی جامع الزاویة، والجامع الواقع جنوب حائط المبکى.
وفی 21 آب/ أغسطس أقدمت الحکومة الصهیونیة على حرق "المسجد الأقصى" على ید صهیونی متطرف أسترالی یُدعى "دنیس روهان"، وادعت أنه مختل عقلیاً ومهووساً فی وقت لاحق. وقد بلغت المساحة المحروقة حوالی 1500م2، وتدمر بشکل کامل السقف الجنوبی الشرقی للمسجد. سجل الاعتداءات الصهیونیة طویل فی الاعتداء على "المسجد الأقصى" فقد تتالت عملیات الإحراق والاقتحامات. والجماعات المتطرفة الصهیونیة لا تألوا جهداً فی سعیها لهدم "المسجد الأقصى" بهدف إعادة بناء الهیکل المزعوم، ولکن لطالما کان الشعب الفلسطینی والمقاومة بالمرصاد لعصابات الکیان المؤقت وجماعاته المتطرفة.
الاندحار من غزة.. بدایة مشروع التحریر
سبعة عشر عاماً مضت على ذکرى أول تحریر لأرض فلسطینیة من دنس الاحتلال الصهیونی، فعلى وقع ضربات المقاومة، واقتحام المستوطنات، وتفجیر المواقع، وقتل العدید من قطعان المستوطنین من مسافة صفر، أعلن کیان الاحتلال فی 15 آب/أغسطس 2005 بأوامر من رئیس الوزراء الإسرائیلی، وقتها، أریئیل شارون، اندحاره من قطاع غزة.
ظلت بعدها المقاومة، وعلى مدى سبعة عشر عاماً، تراکم قوتها العسکریة، وتفرض معادلاتٍ وواقعاً جدیداً على الاحتلال؛ وتمتد ضرباتها فی أرجاء الکیان، وتهدد أمنه، وتربک حساباته، بعد أن ظنوا، أن هروبهم من غزة، سینقذهم من ید المقاومة التی استطاعت أن توحد خلفها شعبنا الفلسطینی فی کل مکان، وتجدد التحامها مع المسجد الأقصى، فانتصرت له فی معرکة "سیف القدس".
وتجدد التحامها مع الأسرى، فانتصرت لهم فی محطات مختلفة لتؤکد ثباتها ودیمومتها، وتقدمها فی مواجهة المحتل، نحو التحریر الکامل، للأسرى، ولأرضنا المحتلة.
لقد أصبح صوت المقاومة، خلال سبعة عشر عاماً، وخطاب رموزها وقادتها یشکل قوة ضغط على صانع القرار الصهیونی. وأصبح قائد أرکانها، محمد الضیف، رمزاً فلسطینیاً وأیقونة وطنیة تهتف جماهیر القدس له وتنادی
باسمه.
ولأول مرة فی تاریخ الصراع، تقوم الأجهزة الأمنیة والاستخباریة وأجهزة تقدیر الموقف بقراءة خطاب قادة المقاومة وتحلیله، وهو ما حدث فی إحدى جلسات حکومة بیینت حینما عقب رئیس الحکومة على خطاب رئیس حرکة حماس فی غزة یحیى السنوار، ومدى تأثیره فی دوائر صنع القرار الإسرائیلی.
سبعة عشر عاماً، ولا یزال مشهد الاندحار حاضراً فی ذهن أبناء شعبنا، وخروج آخر المحتلین الغزاة کوخافی، قائد المنطقة العسکریة، وهو ینکّس العلم، ویغلق البوابة، ویغادر حاملاً أذیال الهزیمة.
وها هو کوخافی أیضاً، بعد سبعة عشر عاماً، ینکسر من جدید أمام المقاومة، ویفشل فی عملیة "کسر الأمواج"، ویرحل من رئاسة الأرکان، تارکاً فشلاً عسکریاً وإرباکاً أمنیاً.
وفی الوقت الذی یحیی شعبنا ذکرى الاندحار الصهیونی وتحریر قطاع غزة، فإنّه یتذکر بالتزامن مع التحریر-ذکرى توقیع اتفاقیة أوسلو التی اعترفت فیها منظمة التحریر بالاحتلال
على أرضنا.
فجاءت المقاومة، وبدّدت وهم أوسلو، وأذابت حبرها، وداستها أقدام شعبنا المنتصر، لتؤکد صوابیة مسار المقاومة والتحریر، وفشل مسار التسویة والتعایش مع الاحتلال.
|
|
تعليقات القراء:
تعليقات القراء:
تعليقات القراء:
|